شَيْئًا}، انتقل كتاب الله إلى الحديث عن قصة صالح مع قومه ثمود، ونظرا لأن بداية هذه القصة صادفت نهاية الربع الماضي أجلنا الشروع فيها إلى هذا الربع، حتى نقدم تفسيرها في صعيد واحد.
وأول ما يواجهنا من قصة صالح أن الدعوة التي وجهها إلى قومه ثمود هي صورة طبق الأصل من دعوة من سبقه من الأنبياء والمرسلين، وخلاصتها الأمر بعبادة الله دون سواه، والتعريف بأنه لا إله في الحقيقة إلا الله، فهذا هو مفتاح الدعوة ومدخلها الوحيد إلى تحرير الإنسان، من كل عبودية لأخيه الإنسان، سواء كانت تلك العبودية عبودية جسمية للطغاة المتجبرين، أو عبودية وهمية للدجاجلة المشعوذين {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.
ثم بين صالح لقومه ثمود أن الله تعالى هو وحده الذي يستحق أن يرجى ويخاف، وأن يطاع أمره، ويتجنب نهيه، فهو الذي بيده الإعطاء والمنع، وعلى يده الضر والنفع، وهو مصدر كل النعم التي يتمتع بها الإنسان بدءا واستمرارا، وما دام الإنسان مدينا بوجوده أولا، وبرزقه ثانيا للحق سبحانه وتعالى، فالمنطق السليم يقضي على الإنسان بأن يتوجه إليه، ويعتمد عليه، وما دامت أقرب وسلة للتحلي بالفضائل هي التخلي عن الرذائل، فما على الإنسان إلا أن يستغفر الله ويقبل عليه، فيجده أقرب إليه من نفسه التي بين جنبيه {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} أي خلقكم لعمارتها وجعل لكم فيها معايش {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا