للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلى ضياع للثقة بالمرة، وتبلغ الحسرة بالأتباع أضعاف أضعاف ما بلغته حسرة القادة، حيث يكتشف الأتباع المخدوعون أنهم إنما كانوا آلة مسخرة في أيدي القادة، ويدركون أن أعمالهم إنما كانت نكبة عليهم ووبالا، وأنهم كانوا في الحقيقة من الأخسرين أعمالا، وذلك قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}.

ومن هناك اتجهت الآيات الكريمة إلى استنكار التقليد الأعمى، وإلى الحض على ترك التقاليد المستهجنة، المتوارثة عن عهود الجهالة والضلالة، والدعوة إلى إتباع الحق الذي أنزله الله نورا وهدى، وهذه الدعوة تتضمن إعمال الفكر فيما يجد عليه الأبناء آباهم، وتتطلب عدم الاتكال على المألوف والرضى بالمتعارف دون نقد ولا تمحيص، وتقتضي هذه الدعوة بالأخص وزن التراث المتلقى من الآباء والأجداد بميزان الوحي والعقل، فما وافقهما كان حريا بالإتباع، وما خالفهما كان حريا بالإهمال، وذلك قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}.

وأمامي الآن في هذا الربع من القرآن آيات كريمة، صيغتها أكبر وأخطر من كل إنذار تعارف عليه الناس، وجهها الحق سبحانه وتعالى إلى كل من علم علما فكتمه، أو استغل علمه في سبيل منفعة

<<  <  ج: ص:  >  >>