ولعل أول ميدان تابع العلوم القرآنية في ذلك هو ميدان اللغة، فقد ألف أبو عبيد القاسم بن سلام كتابا سماه:"كتاب الأجناس من كلام العرب وما اشتبه في اللفظ واختلف في المعنى" وقد استخرج هذا الكتاب من مؤلفه في غريب الحديث. وطريقته فيه أن يأتي بالكلمة ويستعرض معانيها على التوالي، كأن يقول:
"الهادي من كل شيء: أوّله.
والهادي: الدليل.
والهادي: العصا".
وهكذا يفعل بكل الكلمات التي أتي بها في كتابه ومجموعها تسع وأربعون ومائة كلمة.
وطبيعي أن يكون الشبه بين هذا الكتاب وكتب الوجوه والنظائر القرآنية قويا. ذلك أن جميعها يهتم بمعاني اللفظ.
ولعل الفرق بينهما أن الصنف الثاني منهما يتقيد بالمعاني القرآنية في حين أن الصنف الأول يجمع بينها وبين غيرها من المعاني التي يستعمل فيها اللفظ بصفة عامة. أما الميدان الثاني الذي تابع العلوم القرآنية في ميدان الوجوه والنظائر فهو ميدان الشعر.
فقد ظهر كتاب الأشباه والنظائر للخالديّين: أبي بكر محمد (ت٣٨٠/٩٩٠) وأبي عثمان سعيد (ت٣٩٠-٣٩١/١٠٠٠) ابني هشام. وهما شاعران من الموصل. وقد جاء في مقدمة الكتاب، أن الغرض منه "إبراز" فضل السَّبق إلى المعاني الشعرِّية للمتقدمين والمخضرمين، وذلك بعقد المقارنة بينهم وبين المحدثين عن طريق التتَّبّع، وإيراد الأشباه والنَّظائر للمعاني المختلفة من كلام هؤلاء وهؤلاء".
ونحن، وإن لم نكن بالضّبط هنا إزاء تآليف قد حذت كتب الوجوه والنظائر القرآنية، فإنّ الشَّبه بينهما كبير. فقد اهتمّ هذا الكتاب بالنظائر. ولم يهتمّ بالوجوه. وذلك راجع إلى طبيعة المادّة المبحوث فيها. فإن كتب الوجوه والنظائر القرآنية، تنطلق من اللَّفظة لتعدّد معانيها، ثم تعمد إلى ذكر النظائر الواردة منها في القرآن.
ولعلّ شيئا من هذا المعنى يمكن العثور عليه في كتاب الأشباه والنظائر في الشعر، إن اعتبرنا الكيفيات المختلفة الَّتي وقع بها تناول معنى معيَّن عن طريق الحرف.