سبب بنائها أولا أن نور الدين لما طال مقامه بدمشق وأقام بها أمراؤه وفيهم أسد الدين شيركوه أكبر أمرائه. وكان الأمراء قد اقتنوا الأملاك وتعدى كل منهم على مجاوره «٢» في قرية أو غيرها فكثرت الشكاوى إلى القاضي كمال الدين فأنصف بعضهم من بعض ولم يقد- على الإنصاف من شيركوه فأنهى الحال إلى نور الدين فأمر ببناء دار العدل. فلما سمع شيركوه ذلك أحضر نوابه وقال: اعلموا أن نور الدين ما بنى هذه الدار الا بسببي وحدي إلا فمن هو الذي يمتنع على القاضي كمال الدين والله لئن أحضرت إلى دار العدل بسبب واحد منكم لأصلبنه. فامضوا إلى من كان بينكم وبينه منازعة فأعطوه، وأرضوه بأي شيء ممكن، ولو أتى ذلك على بيع ما بيدي. فقالوا إن الناس إذا علموا ذلك ألحوا في الطلب.
فقال لهم: خروج أملاكي عن يدي أسهل عليّ من أن يظن نور الدين أني ظالم أو يساوى بيني وبين آحاد العالم في الحكومة. فخرجوا من عنده وفعلوا ما أمرهم به، وأرضوا خصماهم، وأشهدوا عليهم. فلما فرغت دار العدل جلس نور الدين فيها لفصل الخصومات والمحاكمات وكان يجلس في الأسبوع يومين وعنده القاضي والفقهاء وبقى ذلك مدة فلم يحضر إليه أحد يشتكي من أسد الدين. فقال: نور الدين للقاضي ما جاءنا أحد يشتكي من أسد الدين فعرفه القاضي الحال فسجد نور الدين شكرا لله تعالى. وقال (١٠٧ ظ) ف الحمد لله الذي أصحابنا ينصفون من أنفسهم قبل حضورهم عندنا. وكان إنما يعينه على ذلك صدقه. وحسن نيته. انتهى.