وقد قيل: إن هذه القناة إسلامية، والصحيح أنها رومية وكانت لا تدخل في قديم الزمان إلا إلى الجامع فقط.
وفي أيام نور الدين محمود بن زنكي أخرج منها قطعة إلى (المطهرة) التي هي غربي الجامع بسوق السلاح، وعمل منها قسطل إلى (رأس الشعبيين) وأخرج نور الدين المذكور قطعة أخرى منها إلى الخشابين، وساق منها إلى (الرحبة الكبيرة) داخل باب قنسرين، ثم انقطع ذلك كله بعد وفاة نور الدين، ولم ندرك من القناة شيئا سوى (قسطل الخشابين) فقط. فلما كانت سنة خمس وستمائة سير الملك الظاهر غياث الدين غازي بن الملك ناصر صلاح الدين إلى دمشق صناعا. وخرج بنفسه وأوقفهم على أصل هذه القناة التي تخرج من (حيلان) وأمرهم باعتبار الماء الخارج منها واعتبار ما يصل منه إلى حلب فاختبروا ذلك فرأوا أن مقدار الماء الخارج من أصل القناة مائة وستون إصبعا، ووصل إلى حلب منها عشرون إصبعا لا غير. وضمنوا له أن يكفوا جميع سكك حلب وشوارعها وآدرها ومدارسها وربطها وحماماتها، ويفضل منه شيء كثير يصرف إلى البساتين والأراضي، فشرع الملك الظاهر فيها وبدأ أولا بإصلاح المجرى الذي لها من (حيلان) إلى بلد (حلب) وباشر ذلك بنفسه، وأحضر إليه جميع الأمراء فضربوا خيمهم على سيفها. ثم أمر بزرعها من (حيلان) إلى (باب حلب) فكانت خمسة وثلاثون ألف ذراع بذراع النجارين، وهو ذراع ونصف، ثم قسم ذلك قطعا على الأمراء. وأضاف إليهم صناعا وفعلة وحمل إليهم الكلس والزيت والحجارة والآجر، فأصلحت جميعها، وكانت منكشفة لا سقف لها، فقطع الطوابيق من الصخور الصلبة وطبقها جميعها، إلا مواضع جعلها برسم تنقيتها وشرب الماء منها، وأجرى جميع المجرى إلى (باب حلب) في ثمانية وخمسين يوما.
[طريق (باب الأربعين- المعقلية) ] :
ولما اتصلت بالبلد أمر ببناء القساطل. وأول قسطل بناه القسطل الذي على (باب الأربعين) تحت (الرباط) الذي بناه شهاب الدين طغريل الأتابك، من رأس خندق الروم،