فلما كانت ليلة الاثنين سادس ربيع الأول توفي فأصبح الناس وأغلقوا الأسواق وحضروا جنازته وصلى عليه. ثم دفن خارج باب المقام مقابل تربة موسى الحاجب وكان يوما مشهورا. وبكى الناس وترحموا عليه.
وكان شجاعا بطلا ذا هيبة وسطوة وبأس شديد وأمن الناس في أيامه من قطاع الطريق والسراق، وكان يكرم العلماء ويعظمهم ويقرأ البخاري عنده ويحضر وينظر إلى الفضلاء بعين الإكرام، وكان أميرا كبيرا أولا بحلب وولي نيابة ملطية وصفد وحماة ومنها انتقل إلى حلب. وبنى حماما خارج باب النصر فقال لي يوما: إنما بنيت هذه الحمام ليطمئن الناس فإنه أشيع أن تيمور شاه روخ يجيء إلى الشام.
وفي تاسع صفر وصل القاضي صدر الدين محمد بن النويري إلى حلب متوليا عوضا عن السوبيني. فسار سيرة سيئة مع جنون وأخذ أموال الناس وحكم بغير الشرع. وكان يرقم الشهود، ولم يشهدوا عنده، وتزوج ببنت القاضي الحنفي ابن الشحنة وماتت في صحبته. ورأيت شيخنا وقد وقف عليها وهي تلحد، وبكى وقال: أنا حزين لفراقك. مسرور وفرح بفراق زوجك.
ووقع بينه وبين القاضي ضياء الدين بن النصيي وولديه فتنة عظيمة أوجبت سفر القاضي ضياء الدين بولديه إلى القاهرة وكان كريما كثير الإعطاء يعطي للفقهاء ويحسن إليهم ويسمح بالقدر الذي لا يسمح به غيره من القضاة. وما أحقه بقول الأول:
يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما ... لكنها خطرات «١» من «٢» وساوسه