وفي يوم الاثنين رابع رمضان وصل تنم نائب حماة كافلا بحلب عوضا عن برسباي. وكان برسباي عبدا صالحا دينا خيرا لم يقطع يد أحد بحلب، ولا قتل أحد وحماها وبلادها بالحال. ولما قدم من طرابلس طلبني من شيخنا أبي الفضل ابن الشحنة لقراءة صحيح البخاري وذلك لأنه لما كان بطرابلس كان يقرأ عنده تقي الدين ابن صدر الحنبلي قاضي طرابلس فلما عزل حثه على أنني أقرأ عنده فقرأت عنده فأحبني حبا زائدا، ولم أر عنده مملوكا أبدا إنما يتفق عنده عبد للوضوء، وكان يصلي أولا الظهر ثم نقرأ عنده وإذا مر حديث يعرفه لكثرة ما قرئ عنده بطرابلس وكان يعظم الحاضرين ويألفهم. ويعد كل جميل. فسافر إلى جهة البيرة لأجل مجيء جاه نكير بن قرايلوك وكبسها وأخذ منها مالا، وأمرني بالقراءة في غيبته فقرأت.
فلما قدم حلب بلغه خبر العزل فلما كان في آخر شعبان يوم الجمعة بعد الصلاة رابع عشري الشهر المذكور صرع فدخلت إليه يوم السبت فرأيت عقله مختلا فقال لي:
تتم البخاري بالجامع فإنني عزلت فحصل لي أسف على فراقه. فأمرني وللحاضرين بالعادة التي كان يعطيها للقارئ والحاضرين بطرابلس. فخرجنا من عنده داخل الشباك بدار العدل للقبض فأغمي عليه. وضربت الحواطة السلطانية على حواصله فلم نحصل على شيء فسافروا به من حلب بكرة نهار الخميس سلخ شعبان متوجها إلى دمشق فمات قبل وصوله إلى سراقب.
فلما وصل جماعته إلى المعرة وصل تنم إليها فكان هذا يدق بشائره وهذه النائحة قائمة عليه والصياح في وطاقه فسبحان «١» من لا يزول ملكه.
وبنى برسباي جامعا بدمشق وبرجا على البحر بطرابلس ولم يأخذ من خمارة حلب شيئا.