وكان رئيسا صدرا محتشما كريم النفس والأخلاق شكلا حسنا قرأ القرآن العزيز وقام به قبل الفتنة التيمورية وحفظ (المنهاج) و (ألفية ابن مالك) وعرضها على ابن خطيب المنصورية. وكتب في ديوان الإنشاء، وأحبه الناس لحسن كلامه وكثرة مروءته- قرأت عليه قطعة من الاستيعاب بسند والدي عن السيد عز الدين نقيب الأشراف- واختصر تاريخ ابن خلكان. وله معرفة بأنساب أقاربه، واعتنى بذلك في كراريس. وكان حسن المحاضرة والمفاكهه، لا تمل مجالسته.
وحج رفيقا لوالدي سنة ثلاث عشرة. وكانت الوقفة الجمعة/ (٤٠ ظ) م.
وكان القاضي ضياء الدين كبير الرياسة غزير السياسة لا يكاد أحد يسبقه إلى عزاء ولا هناء. ولا ينزل من مضارب الرئاسة إلا في خباء مروة وفناء يود من يعرفه ومن لا يعرفه، ويسعف قاصده ولا يعنفه.
ولم يزل على حالته إلى أن مضى إلى حال سبيله وأنجب ولديه العلّامتين زين الدين وشرف الدين وكان هو وهما أعيان عصرهم وشامة حلب بل شاههم:
إذا ركبوا زانوا المراكب هيبة ... وإن جلسوا كانوا صدور المجالس
وهم من بيت سعادة وحشمة وسيادة، وفتوى وفتوة، ومكارم للناس مرجوة:
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري
وكتب القاضي صدر الدين إلى شيخنا شيخ الإسلام ابن حجر من نظمه:
العبد طولب عن الذي ... لم يخف عنكم من سؤال السائل
فانعم به لازلت تتحف دائما ... بفوائد وعوائد وفواضل
ولما بلغت وفاة المحبي بن الشحنة حزن حزنا عظيما وكتب إلى صهره القاضي زين الدين من قصيدة يرثيه بها:
لقد ضحكت رياض الأرض لما ... بكت من فوقها سحب السماء