بشأن الشتاء فإنما هو برد وسلام وحين اجتمعت عساكره، والتأمت أموره وأوامره، أمر أن يصنع له خمسمائة عجلة، وتضبب بالحديد ليحمل عليها ثقله، فبادر الشتاء خروجه بالدخول، وأورد بانقطاع جراية عمره من ديوان الفناء الوصول، فبرز في شهر رجب، وقد أصبح البرد عجباً وأي عجب، وسار لا يرق لمرق، ولا يرثي لجسد من البرد محترق، فوصل في سياحته إلى سيحون وقد تجمد، وبنى عليه رائق النسيم الصرح الممرد قلت قديما
على البحر قد عاينت جسر ممدداً ... بناه إله العرش صرحاً ممردا
بكيت فخلت الدمع في جنباته ... رقيق رحيق في زجاج تجمدا
فعبره ومر ومضى على ذلك واستمر، وتمادى على لجاجه وأصر فدمر الشتاء عليه بالدمار، وانحط عليه من الجوانب بكل إعصار فيه نار، وحطم جيشه بكل نكباء صرصر، وضرب نبات عسكره بصرة صر طول فيها وما قصر، وهو بذلك الجمع الكثير يسير، لا يحن لأسير ولا يجبر وهن كسير، يسابق البرد ببرده، ويجاري أجرده بجرده ومرده، فجال فيهم