للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتسعمائة هجرية) أي قبل وفاته بأربع سنوات، ولما زفت إليه عروسه، أطلق القاضي (آنئذ) - أبو عبد الله المكناسي يده على الشهادة، وقال لأبيه: إنها هدية مني لهذا العروس، وكانت الشهادة -عنده- بالمكان الرفيع، لا يوليها إلا من ومن. . وكان يقول: "من طلبها لي، فكأنما خطب منى إبنتي"! ! . (١٢).

وكان أبو محمد هذا عالما أديبا، وفقيها متضلعا، وخطيبا مصقعا، ومنشئا بارعا، فاق أهل زمانه في عقد الشروط والوثائق، وفي المكاتبات السلطانية، لا يكاد يجاريه فيها أحد؛ وخلف والده على كرسي المدونة بالمصباحية، وتولى لضاء فاس ثمان عشرة سنة، وكان من خاصة المقربين للسلطان أبي العباس الوطاسي، لا يبرم أمرا إلا برأيه ومشورته (١٣).

وعندما حاصر محمد الشيخ السعدي مدينة فاس، وبذل كل ما في وسعه لدخولها دون جدوى، قيل له: لا سبيل لك إليها، إلا إذا بايعك ابن الونشريسي- يعنون أبا محمد، فبعث إليه سرا ووعده ومناه، إلا أن أبا محمد الذي تأثر بمواقف أبيه الصلبة "ومن يشابه أباه فما ظلم" أجابه بان بيعة هذا السلطان -يعني أبا العباس الوطاسي- في رقبتي، ولا يحل لي خلعها إلا بموجب شرعي- وهو غير موجود ... ولما بلغ محمد الشيخ ذلك، أبى إلا أن يستعمل الدسائس والقوة في تلبية رعبته، فأوعز إلى جماعة من المتلصصين بأن يأتوا به إليه مكبلا،


(١٢) انظر فهرس المنجور ص: ٥٢ - ٥٣.
(١٣) الاستقصا: ج- ٤ - ص: ١٥٨ - ١٥٩.