وتذكره ألما، أو أنه لم يجد في مراحل طفولته، أو شبابه، ما يحبب لنفسه الخوض فيه، أو الإشارة إليه.
رغم أن العادة تقضي -غالبا- أن الإنسان يشتاق دائما إلى ما مضى من عمره، ويحن بلهفة إلى ذكريات طفولته وشبابه مع أهله وأخلائه، ويتمنى أن لو يعود ذلك الماضي، حتى ولو قضاه في ضيق وحاجة، وكرب وشدة.
ألا ليت الشباب يعود يوما ... فأخبره بما فعل المشيب
كما يحتمل أنه لم يتعرض -لماضيه- لا لهذا السبب، ولا لذاك، وإنما لعادة متبعة مألوفة عند المؤلفين القدماء، من تحاشيهم ذكر الأجداد والآباء، ولسان حالهم يردد قول الشاعر:
ليس الفتى من يقول كان أبي ... وإنما الفتى من يقول ها أنذا
وعلى أي فقد عاش أبو العباس طفولة غامضة، يحتمل أن تكون معذبة، ويحتمل أن تكون سارة منعه الحياء من الخوض فيها- استنكافا أو تواضعا، فاكتفى بالصمت الذي هو أبلغ من كل كلام في بعض الأحيان، وربما كان ذلك سببا في التجائه إلى الدرس والتحصيل، كي يجد فيه تعويضا عن بعض ما فاته من نعم الحياة، فكان له ما أراد.
إلا أنه ترك كل من حاول استقصاء حياته -الأولى- حائرا وتائها في متاهات الاحتمالات، معتمدا على الفرضيات والتخمينات، عله يصل إلى الحقيقة أو بعضها، لكن بغير طائل.