هذا وخلال رحلة العودة إلى المدينة المنورة قام المنافقون بإيقاد نار من الاضطرابات، وإحداث الغوغاء بين المهاجرين والأنصار، وكادوا أن يشهروا السلاح ويتقاتلوا فيما بينهم.
وكان المنافقون يحثون الأنصار على أن لا ينفقوا على المهاجرين والإسلام والمسلمين، ويتخلوا عن مؤازرتهم ويتركوا مساعدتهم، فقال عبد الله بن أبي رئيس المنافقين:{لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ}[المنافقون: ٨].
ولما سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الغوغاء بين المهاجرين والأنصار خرج فقال:((ما بال دعوى الجاهلية؟ ثم قال: ما شأنهم؟ فأخبر بما حصل بين المهاجرين والأنصار فقال: دعوها فإنها منتنة، ثم أمر بالرحيل وخرج بالناس، فقدم عبد لله بن عبد الله بن أبي حتى وقف لأبيه على الطريق، فلما رآه أناخ به وقال: لا أفارقك حتى تزعم أنك الذليل ومحمد العزيز (١).
تقول عائشة:((لما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوته وقفل دنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل فقمث حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه)) - وكانت على يقين تام أنها ستجد ضالتها قبل رحيل السفر ولذلك لم تخبر أحدا ولم تطلب منهم أن ينتظروها - قالت: ((وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوني فاحتملوا
(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ٢/ ٦٥، وأخرجه الترمذي في سننه تفسير سورة ((المنافقون)) برقم ٣٣١٥، وكذلك البخاري في صحيحه. ورجحوا أن هذه الواقعة كانت في غزوة المريسيع بينما قال النسائي: إنها كانت في غزوة تبوك، (السنن الكبرى للنسائي تفسير سورة ((المنانقون)) ٤٩١/ ٦ برقم ١١٥٩٧)، والأول هو الصحيح وعليه أجمع كل أصحاب السير والمغازي، وهو المفهوم من رواية البخاري ((وكانت الأنصار أكثر من المهاجرين)) وفصل القول في ذلك الحافظ ابن حجر (ح) في فتح الباري فقال: قوله: ((كنا في غزاة قال سفيان مرة في جيش)) وسمى ابن إسحاق هذه الغزوة غزوة بني المصطلق، وكذا وقع عند الإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر عن سفيان أن هذه الغزاة غزاة بني المصطلق وكذا في مرسل عروة (فتح الباري ٦٤٩/ ٨).