للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأغرب من ذلك كله مما يدعو إلى الاستعجاب والضحك قوله:

((كانت تلك القصيدة تتضمن الثناء على جسم عائشة الرقيق النحيف، وكانت تتأذى بالهجاء للجسم النحيف الرقيق، فلما بلغ حسان إلى الفقرة التي تشير إلى جسمها النحيف، أوقفته لبرهة من الزمن بالتدلل وذمته على سمنته)).

وقد استعرضت سائر دفاتر التاريخ الإنساني واستطلعت كل السجلات والصحائف، وتصفحت الكتب، ومع كل هذا التتبع لم أجد لها هذه الأوصاف الخلقية والخلقية أبدا.

وفي الأخير بدأت أبحث في الموضوع على منهج المستشرق وليم نفسه وطريقه التي سلكها فبدا لي أن التقصير لم يكن في الصورة، وإنما كان مترشحا وناتجا عن ذلك الذهن والنظر الذي يزعم أنه أعرف الأوروبيين باللغة العربية، وأبرعهم فيها وأقدرهم على تعيين فحواها ومرادها.

وواقع الأمر أن سوء فهمه أتى من تفسيره للخبر فقد ورد أن البيت الثاني من القصيدة هو ((وتصبح غرثى من لحوم الغوافل)) فقالت له عائشة: ((ولكنك لست كذلك)).

وأكل لحم الغير يطلق في اللغة العربية على الغيبة، وذكر أحد بما يكرهه، وكان غرض حسان من هذا الشعر أن عائشة (ض) لا تغتاب أحدا، ولا تطعن في أحد، فقالت له عائشة تعريضا: ولكنك لست كذلك، تعني: أنه يغتاب، وتشير بذلك إلى أن حسان كان أحد الخائضين في حديث الإفك، فلم تقصد أبدا أنها كانت نحيفة الجسم وهو متين وسمين (وحاشاها من ذلك) ولا شك أن مثل هذه الجهالة الجهلاء، وعدم الإلمام بمعاني وفحوى الكلمات، وتحميل اللفظ ما لا يحتمله هذا كله لا يوجد إلا في غرائب أوروبة وعجائبها.

وفي النهاية نشكره على أنه قد استبعد حديث الإفك حيث قال بعد الإشارة إليه: ((إن سيرة عائشة قبل الحادث وبعده لتوجب علينا أن نعتقد


= قالت: فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني، فقال: هذه بتلك السبقة (باب السبق على الرجل برقم ٢٥٨٧).

<<  <   >  >>