واعتزل فيها وآلى من نسائه شهرا، وشهر المنافقون وشاع بين المسلمين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلق نساءه)).
وكان لهذه الإشاعة بين المسلمين رجة أي رجة، فاجتمع الصحابة (ض) في المسجد يبكي بعضهم، وبدأت أمهات المؤمنين يبكين، ولا ريب أن نساء النبي أنفسهن كانت بينهن للنبأ رجة أشد عليهن من بقية المسلمين، وكان لهذه العقوبة - التي لم يعاقبن بمثلها من قبل - في قلوبهن أبلغ الأثر، ولم يتجرأ أحد أن يستفسر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الحادث، وبوسعنا أن نتخيل تلك الرجة بين الصحابة إذا علمنا أن صاحبا لعمر بن الخطاب سمع بالنبأ ليلا فأسرع إلى بابه يدقه دقا شديدا، ويسأل عنه في فزع، فقال صاحبه: حدث أمر عظيم، يقول عمر بن الخطاب (ض): فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم فجلست معهم قليلا ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر، فدخل الغلام فكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم رجع، فقال: كلمت النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكرتك له فصمت، ثم في المرة الثالثة لما وليت منصرفا إذا الغلام يدعوني فقال: قد أذن لك النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مضطجع على حصير فجلست فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع ومثلها قرظا في ناحية الغرفة، وإذا أفيق معلق قال: فابتدرت عيناي ... فقلت: يا رسول الله أطلقتهن؟ قال: لا، قلت: يا رسول الله إني دخلت المسجد، والمسلمون ينكتون بالحصى، يقولون: طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه، أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن؟ قال: نعم، إن شئت، فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه (١).
وهذا الشهر كان تسعا وعشرين ليلة، وكانت عائشة (ض) تنتظر استيفاء الثلاثين، وقد عدتهن يوما يوما، وعلمت ساعة دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - كم مضى وكم