للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أهل الأمصار ونزاع القبائل، غزوا حرم رسول الله، وأحدثوا فيه الأحداث، وآووا فيه المحدثين، واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله، مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر، فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه، وانتهبوا المال الحرام، وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام، ومزقوا الأعراض والجلود، وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم، ضارين مضرين، غير نافعين ولا متقين، لا يقدرون على امتناع ولا يأمنون، فخرجت في المسلمين، أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم، وما فيه الناس وراءنا، ولا ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا، وقرأت: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: ١١٤] ننهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصغير والكبير والذكر والأنثى، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ونحضكم عليه، ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره)) (١).

فخرج أبو الأسود وعمران من عندها، فأتيا طلحة، فقالا: ما أقدمك؟

قال: الطلب بدم عثمان، قالا: ألم تبايع عليا؟ قال: بلى، والعج في عنقي وما أستقيل عليا، إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان، ثم أتيا الزبير وسألاه نفس السؤال، فأجابهما الزبير بما أجاب طلحة، فرجعا إلى أم المؤمنين فودعاها فودعت عمران وقالت: ((يا أبا الأسود إياك أن يقودك الهوى إلى النار، {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة: ٨])).

وقد أثر كلام عائشة (ض) في عمران، واعتزل عن المعركة، وقال لعثمان: والله لتعركنكم عركا طويلا، ثم لا يساوي ما بقي منكم كثير شيء، فقال له عثمان: فأشر علي يا عمران! قال: إني قاعد فاقعد، فقال عثمان: بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين علي وانصرف إلى بيته، ثم نادى في الناس، وأمرهم بالتهيؤ، ولبسوا السلاح، واجتمعوا إلى المسجد الجامع.

وأقبل عثمان على الكيد، فكاد الناس لينظر ما عندهم وأمرهم بالتهيؤ، وأمر رجلا ودسه إلى الناس خدعا كوفيا قيسيا فقام فقال: ياأيها الناس أنا


(١) تاريخ الطبري ١٤/ ٣.

<<  <   >  >>