للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من المهواة (١)، واجتحى دفين الداء، ثم انتظمت طاعتكم بحبله، فولى أمركم رجلا شديدا في ذات الله عز وجل، مذعنا إذا ركن إليه، بعيدا ما بين اللابتين (٢) عركة للأذاة بجنبه، فقبضه الله وأطا على هامة النفاق، مذكيا نار الحرب للمشركين، يقظان الليل في نصرة الإسلام، صفوحا عن الجاهلين، خشاش المرآة والمخبرة، فسلك مسلك السابقية، تبرأت إلى الله من خطب جمع شمل الفتنة، ومزق ما جمع القرآن، أنا نصب المسألة عن مسيري هذا، ألا وإني لم أجرد إثما أدرعه، ولم أدنس فتنة أوطئكموها، أقول قولي هذا صدقا وعدلا واعتذارا وتعذيرا، وأسأل الله أن يصلي على محمد عبده ورسوله وأن يخلفه في أمته بأفضل خلافة المرسلين)) (٣).

وكانت هذه الخطبة قمة في البلاغة والفصاحة، ذات تأثير عميق، فبهرت فصاحتها السامعين وسحرتهم بلاغتها، وأدهشتهم عارضتها، لم يسمع الناس أفخم ولا أحسن منها، وقد وقعت موقع السهم في هدفه، وافترق أصحاب عثمان بن حنيف فرقتين، فقالت فرقة: صدقت والله وبرت، وجاءت والله بالمعروف، وقال الآخرون: كذبتم، والله ما نعرف ما تقولون، فتحاثوا وتحاصجوا وأرهجوا، فلما رأت ذلك عائشة انحدرت وانحدر أهل الميمنة مفارقين لعثمان، حتى وقفوا في المربد، وبقي أصحاب عثمان على حالهم يتدافعون حتى تحاجزوا، ومال بعضهم إلى عائشة، وبقي بعضهم مع عثمان.

وفي اليوم الثاني بدأت المعركة بين الفريقين حيث أقبل حكيم بن جبلة، وقد خرج وهو على الخيل، فأنشب القتال، وأشرع أصحاب عائشة (ض)


(١) امتاح: انتزع، والمهواة: أرادت بها البئر العميقة.
(٢) اللابتان: مثنى اللابة، وهي حرة المدينة. وهي أرض ذات حجارة سود كبيرة، تريد أنه واسع الصدر، فاستعارت له اللابة كما يقال: ((رحب الفناء واسع الجناب)).
(٣) انظر: بلاغات النساء لأبي الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور الخراساني، تحقيق د. عبد الحميد الهنداوي، ط: دار الفضيلة القاهرة، كما ذكره ابن عبد ربه في العقد الفريد باب الخطيب، وذكر واقعة الجمل. وكذلك أحال إليه العلامة الشاه ولي الله الدهلوي في كتابه إزالة الخفاء.

<<  <   >  >>