رماحهم وأمسكوا ليمسكوا فلم ينته ولم يثن، فقاتلهم، وأصحاب عائشة كافون إلا ما دافعوا عن أنفسهم، وحكيم يذمر خيله ويركبهم بها، ويقول: إنها قريش ليردينها جبنها، واقتتلوا على فم السكة، وأشرف أهل الدور ممن كان له في واحد من الفريقين هوى، فرموا باقي الآخرين بالحجارة.
وأمرت عائشة أصحابها، فتيامنوا حتى انتهوا إلى مقبرة بني مازن، فوقفوا بها مليا، وثار إليهم الناس، فحجز الليل بينهم، فرجع عثمان إلى القصر، ورجع الناس إلى قبائلهم، وجاء أبو الجرباء أحد بني عثمان بن مالك بن عمرو بن تميم إلى عائشة وطلحة والزبير فأشار عليهم بأمثل من مكانهم، فاستنصحوه وتابعوا رأيه، فساروا من مقبرة بني مازن، فأخذوا على مسناة البصرة من قبل الجبانة، حتى انتهوا إلى الزابوقة، فباتوا يتأهبون، وبات الناس يسيرون إليهم، وأصبح عثمان بن حنيف فغاداهم، وغدا حكيم بن جبلة وهو يبربر، وفي يده الرمح، فقال له رجل من عبد القيس: من هذا الذي تسب وتقول له ما أسمع؟ قال: عائشة، قال: يا ابن الخبيثة! ألأم المؤمنين تقول هذا؟ فوضع حكيم السنان بين ثدييه فقتله، ثم مر بامرأة وهو يسبها يعني عائشة، فقالت: من هذا الذي ألجأك إلى هذا؟ قال: عائشة، قالت: يا ابن الخبيثة! ألأم المؤمنين تقول هذا؟ فطعنها بين ثدييها فقتلها، وقد كثر القتلى في أصحاب ابن حنيف، وفشت الجراحة في الفريقين، ومنادي عائشة يناشدهم ويدعوهم إلى الكف، فيأبون، حتى إذا مسهم الشر وعضهم، نادوا أصحاب عائشة إلى الصلح فأجابوهم، وتواعدوا وكتبوا بينهم كتابا على أن يبعثوا رسولا إلى المدينة، وحتى يرجع الرسول إلى المدينة، فإن كانا أكرها (طلحة والزبير) خرج عثمان عنهما وأخلى لهما البصرة، وإن لم يكونا أكرها خرج طلحة والزبير.
فخرج كعب حتى يقدم المدينة، فاجتمع الناس لقدومه، وكان قدومه يوم الجمعة، فقام كعب وقال: يا أهل المدينة إني رسول أهل البصرة إليكم، أأكره هؤلاء القوم هذين الرجلين على بيعة علي أم أتياها طائعين؟ فلم يجبه أحد من القوم، إلا ما كان من أمامة بن زيد، فإنه قام فقال: اللهم إنهما لم يبايعا إلا