للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وابن عباس، وزيد بن ثابت وغيرهم إلا أن أعظم مدرسة شهدتها المدينة المنورة في ذاك الوقت هي زاوية المسجد النبوي التي كانت قريبة من الحجرة النبوية وملاصقة لمسكن زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، كانت هذه المدرسة مثابة للناس يقصدونها متعلمين ومستفتين، وأصبحت كعبة المحبين ومقصد المشتاقين وروح أرواح المؤمنين، ويمم طلاب العلم وشداة المعرفة وجوههم قبل هذه المدرسة، حتى غدت أول مدارس الإسلام، وأعظمها أثرا في تاريخ الفكر الإسلامي. ومعلمة هذه المدرسة كانت أم المؤمنين عائشة (ض)، فالذين كانوا من محارمها وأقربائها من الرجال والنساء ضمتهم إليها وربتهم في حجرها وعلمتهم، أما الآخرون فيدخلون وعليها الحجاب، ويجلسون بين يديها من وراء الحجاب في المسجد النبوي (١).

كان الناس يستفتونها ويسألونها عن مختلف القضايا وهي تجيبهم (٢)، فينالون بركة تلقي السنة النبوية الشريقة غضة ندية من فم أم المؤمنين السيدة التي كانت ألصق الناس بحياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقربهم منه، وربما كانت هي التي تثير سؤالا ثم تبدأ في الإجابة عليه، ويستمع لها الناس بآذان صاغية وقلوب واعية، كما أنها كانت تولي عناية فائقة واهتماما بالغا بتصحيح لغة تلاميذها وتعويدهم على النطق الصحيح مع مراعاة القواعد اللغوية.

قال ابن أبي عتيق: تحدثت أنا والقاسم عند عائشة (ض) حديثا. وكان القاسم رجلا لحانة وكان لأم ولد، فقالت له عائشة: ((ما لك لا تحدث كما يتحدث ابن أخي هذا؟ أما إني قد علمت من أين أتيت؟ هذا أدبته أمه وأنت آدبتك أمك)) (٣) وكانت أم القاسم أمة.

كما أنها كانت تقوم بتربية وحضانة عدد من اليتامى والمساكين غير هؤلاء التلامذة، وما كانت تضن على أحد منهم بشيء من العلم، أما غير


(١) مسند الإمام أحمد بن حنبل ٦/ ٧١ برقم ٢٤٤٧٤.
(٢) مسند الإمام أحمد بن حبل ٧٣/ ٦ برقم ٢٤٤٩٧.
(٣) صحيح الإمام مسلم باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام برقم ٥٦٠.

<<  <   >  >>