للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال - رحمه الله -: (وعن الثاني: ما أخرجه عن اسم الماء المطلق من المُغَيِّراتِ الطاهرة)

قوله (عن الثاني) أي عن الوصف الثاني، وهو كونه مطهراً، فيريد أن الماء يبقى مطهراً لغيره إلا إذا خالطه شيء طاهرٌ فأخرجه عن كونه ماء مطلقاً، أي غير إطلاقه، فصار له اسم آخر وهذه المسألة الثالثة.

مثال ذلك: إذا أخذنا كأساً من الماء ووضعنا فيه كيساً من الشاي، فإن الشاي طاهرٌ نزل في الماء فغير لون الماء حتى تغيرت حقيقته، فلم يعد ماء مطلقاً، بل تغيرت حقيقته وصار شاياً، فهذا طاهر ليس بنجس، ولكنه لا يطهر، لأن الذي يطهر هو الماء المطلق، فهو ما ثبت به الدليل، وأما غيره من المائعات، فلم يثبت فيه شيء فليست من المطهرات.

قال ابن المنذر (١): «وأجمعوا على أنه لا يجوز الاغتسال ولا الوضوء بشيء من هذه الأشربة سوى النبيذ» أي أن النبيذ قد حصل خلاف في جواز الوضوء به، والصحيح أنه لا يجزئ في ذلك لعدم وجود الدليل الصحيح.

ولكن إذا كان التغير بطاهر تغيّراً يسيراً، فإن الماء في هذه الحالة يبقى طاهراً مطهراً، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في تغسيل ابنته: «اغسلنها بماءٍ وسدر واجعلن في الآخرة كافوراً» (٢).

وكذلك الماء المتغير بما لا ينفك عنه غالباً، كالطحالب والتراب، فإنه يبقى مطهراً بالاتفاق (٣).

ثم قال - رحمه الله - (ولا فرق بين قليل أو كثير)

هذه المسألة الرابعة.

أي أن الماء القليل والكثير له نفس الأحكام المتقدمة، لا يختلف، وفي هذا رد لقول الذين فرّقوا، إذ إن الأدلة ليست معهم في ذلك كما سيأتي.


(١) «الإجماع» لابن المنذر (ص ٣٤).
(٢) أخرجه البخاري (١٢٥٣) ومسلم (٩٣٩) عن أم عطية رضي الله عنها.
(٣) انظر «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٣٠).

<<  <   >  >>