فاستدل أهل العلم بهذا على أفضلية التمتع، ثم إنه أخفّ وأيسر على النفس.
قال رحمه الله: (ويكون الإحرام من المواقيت المعروفة، ومن كان دونها، فَمُهَلُّه أَهْلُهُ، حتى أهل مكة من مكة)
للحجّ مواقيت زمنية ومكانية.
ونعني بالمواقيت الأوقات التي جعلها الشارع أوقاتاً لأداء الحجّ أو للإحرام، فهي الزمن الذي يُحجّ فيه، والمكان الذي يُحرم الحاجّ منه أيضاً.
المواقيت الزمنية: هي الأوقات التي لا يصحّ شيء من أعمال الحجّ إلّا فيها، قال تعالى: {الحج أشهر معلومات}، أي وقت أعمال الحجّ أشهر معلومات.
والعلماء مجمعون على أن المراد بأشهر الحج: شوال، وذو القَعدة - يقال القَعدة بالفتح، والقِعدة بالكسر، والقَعدة أفصح-، واختلفوا في ذي الحجة، أَكلُّ الشهر من أشهر الحجّ أم العشر الأول فقط، والذي ثبت عن ابن عمر وغيره، أنها العشر الأول من ذي الحجة.
فلا يصحُّ أن يحرم أحدٌ بالحج إلا في أشهر الحج، فالإحرام من أعمال الحج التي ضرب الله لها أشهراً معلومة.
وأما المواقيت المكانية: فهي الأماكن التي يُحرم منها من يريد الحجّ أو العمرة.
فالحاجّ عندما ينطلق من بلده لا يبدأ الحجّ من سكنه ولا يُحرم من سكنه، بل ينطلق إلى أن يصل مكاناً عينه الشارع فيُحرم منه، هذه الأمكنة هي التي تسمى المواقيت المكانية.
ولا يجوز لمن أراد الحجّ أو العمرة أن يتجاوزها - أي يمرَّ عليها - دون أن يُحرم، وقد بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة في «الصحيحين» وغيرهما، فقال ابن عباس: «وقَّت لنا رسول - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجُحْفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يَلَمْلَم، قال: «فهنَّ لهُنَّ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمن أهله، وكذا كذلك حتى أهل مكة يهلون منها» (١). متفق عليه.
فيخرج المرء مسافراً للحجّ من بلده بلباسه المعتاد، ومن غير أن يبدأ بالحجّ أو بالعمرة، إلى أن يصل إلى الأماكن المذكورة في الحديث - وهي المواقيت المكانية - فيعد نفسه ليبدأ بالحج ويُحرم من تلك الأماكن.
(١) أخرجه البخاري (١٥٢٤)، ومسلم (١١٨١).