للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمّا الأحاديث التي وردت في ذلك،

فحديث اتفق على إخراجه الشيخان: «أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه جبة صوف متضمخ بطيب، فقال يا رسول الله: كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعدما تضمخ بطيب؟ فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ساعة ثم سكت، فجاءه الوحي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أين الذي سألني عن العمرة آنفاً» فالتُمس الرجل، فجيء به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة فانزِعها، ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك» (١)، وكان هذا في الجِعرّانة في سنة ثمان بلا خلاف بين أهل العلم.

وأما الحديث الثاني فهو حديث عائشة رضي الله عنها - وهو متفق عليه أيضاً -، قالت: «كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه حين يُحرم، ولِحِله قبل أن يطوف بالبيت» (٢) وكان هذا في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف.

هذان حديثان وحديث ابن عمر المتقدم حديث ثالث اختلف أهل العلم في طريقة الجمع بين هذه الأحاديث، فالحديث الأول يدل على عدم جواز التطيب وإبقاء الطيب لا على الملابس ولا على الجسد، والحديث الثاني يدل على جواز التطيب قبل الإحرام ولو بقي بعد ذلك أثره بعد الإحرام، ولكن لا يتطيب بعد الإحرام لحديث ابن عمر المتقدم.

والخلاصة،

أولاً: اتفق العلماء على تحريم الطيب على من صار مُحرماً ابتداءً.

ثانياً: محل الخلاف في التطيب عند إرادة الإحرام - أي قبل الإحرام - واستمرارِ أثره لا ابتداءه بناءً على الحديثين المتقدمين.

قال المؤلف الشوكاني - رحمه الله - في «نيل الأوطار»: «والحقُّ أن المُحَرَّمَ من الطيب على المُحرِم هو ما تطيب به ابتداءً بعد إحرامه، لا ما فعله عند إرادة الإحرام وبقي أثره لوناً أو ريحاً» (٣).

وبهذا تجتمع الأدلة، وهو فصل القول في هذا الموضوع.

ولكن الطيب يوضع على الجسد لا على الثياب، فإن نزل على الثياب فلا يضرّ.


(١) أخرجه البخاري (١٧٨٩)، ومسلم (١١٨٠).
(٢) أخرجه البخاري (١٥٣٩)، ومسلم (١١٨٩).
(٣) «نيل الأوطار» (٤/ ٣٦١).

<<  <   >  >>