للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففي «الصحيح» أيضاً عن ميمونة: «أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو حلال» (١)، وكذا أَخبر أبو رافع - وكان هو السفير بين رسول - صلى الله عليه وسلم - وميمونة - أخبر: «أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو حلال» (٢).

فعندنا الآن حديث يدل على عدم مشروعية النكاح في الإحرام، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَنكِح المُحرِم ولا يُنكَح ولا يَخطُب» (٣)، وعندنا حديث يدلّ على الجواز وهو حديث ابن عباس، لكنّ حديث ابن عباس مُعارَضٌ بحديث ميمونة وهو أولى بالأخذ به، فنُقدم الأولى على حديث ابن عباس.

لكن ما الذي جعلنا نحكم على الثاني بأنه أولى من حديث ابن عباس:

أولا: أنّ الذي خالف ابن عباس هي صاحبة القصة - وهي ميمونة -، وهي أدرى بما حصل معها من ابن عباس.

ثانيا: معارضة أبي رافع - وهو السفير بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين ميمونة-، فهو أدرى أيضاً من ابن عباس.

والأمر الثالث، وجود النهي وهو حديث عثمان، فحمل الحالة على الوضع الذي يُوافق النهي في حديث عثمان أولى من حملها على الحالة الثانية التي ذكرها ابن عباس.

فطريقة الترجيح هذه هي المعتمدة في التعامل مع هذه الأحاديث.

أما الجمع بين حديث ابن عباس وحديث ميمونة وحديث أبي رافع، فصعب لا مجال له، فماذا نفعل؟

درسنا في النزهة أن التعامل مع الأحاديث المتعارضة يكون كالتالي:

العمل الأول: الجمع، والجمع بين هذين الحديثين - حديث ابن عباس وحديث ميمونة - فابن عباس يقول: تزوجها وهو محرم، وميمونة وأبو رافع يقولان: تزوجها وهو حلال، فلا سبيل للجمع، والنبي - صلى الله عليه وسلم - حجَّ مرة واحدة وتزوج ميمونة مرة واحدة.

ننتقل إلى الحالة الثانية حالة النسخ: ليس عندنا الآن متقدم ومتأخر، إنما هي حادثة واحدة.

يبقى عندنا الحالة الثالثة وهي الترجيح، فكيف نرجح؟


(١) أخرجه مسلم (١٤١١).
(٢) أخرجه أحمد (٢٧١٩٧)، والترمذي (٨٤١).
(٣) تقدم تخريجه.

<<  <   >  >>