إلّا القليل من الفقهاء الذين خالفوا في هذا الإلحاق وخصُّوا الحكم بالمتعمد، وقالوا المُخطئ لا، لأن الذي جاء في الآية هو تنصيص على المتعمد، فيَخرج المخطئ غير المتعمد بمفهوم المخالفة، أي بما أن القرآن ذكر المتعمد، فمفهوم المخالفة الذي يُؤخذ، هو أن المخطئ ليس مثله.
لكن الجمهور أخذوا بالقياس وتركوا المفهوم في مثل هذا الموطن.
وقوله تبارك وتعالى:{هدياً بالغ الكعبة}، أي هذا المثل الذي يَذبحه، يتصدق به على فقراء الحرم، فيبلغ، أي يصل به إلى فقراء الحرم.
وهذا المحرم الذي قتل الصيد مخير بين ثلاثة أمور، فلا يجب عليه أن يُخرج المثل فقط، بل هو مخير بين، {هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مسكين أو عدل ذلك صياما}،
فالمثل، وهو ما سبق.
الثاني وهو الإطعام، وهو أن يقدِّر المثل، فينظر كم قيمته، ثم ينظر كم تأتي به هذه القيمة من أمداد، وبعدد الأمداد سيكون عدد المساكين الذين سيطعمهم، مُداً لكل مسكين من فقراء الحرم.
أو الثالثة، وهي الصيام، فيَصوم عن كل مُدٍّ يوماً، فعدد الأمداد التي خرجت عند تقدير المثل والتي هي عدد المساكين الذين سيطعمون، هي نفسها عدد الأيام الواجب عليه أن يصومها.
فلنقل مثلاً أن قيمة المثل قدرت بما يساوي ألف مد، فيجب عليه أن يصوم ألف يوم، فيكون - بناء على ذلك - إخراج المثل أهون عليه، والإطعام أهون عليه من الصيام، لكن هو على كل حال مخير بين هذه الثلاث.
وأمَّا إذا لم يكن للصيد مِثلٌ فيُخرِج ثمن الصيد يُحمل إلى مكة، أو يصوم.
فالخيار الأول - وهو المثل - انتهى، فيبقى عنده الخيار الثاني أو الثالث فقط.
ومثال ذلك أن يصطاد جراداً أو أن يصطاد عصفوراً صغيراً، فهذان لا مثل لهما فيتوجب عليه عندئذ أن يُخرج إما القيمة وهي الإطعام أو أن يصوم.
قال رحمه الله:(ولا يأكلُ ما صادَه غيرُهُ، إلّا إذا كان الصائدُ حلالاً ولم يَصِدْهُ لأجله)