مال له، وأمّا أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه -يعني: يكثر من ضرب للنساء- انكحي أسامة بن زيد» (١)
فحصلت الخِطبة من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأسامة بن زيد.
فجمعنا بين الحديثين بأن قلنا: إن النهي عن الخِطبة على خطبة المسلم إنما يكون في حال أن المرأة خُطِبَت للأول وركنت إليه وقبلت به، أما إذا خُطِبت - مجرد طلب - بدون أن تركن إلى الرجل الذي طلبها وتقبل به، فيجوز للآخر أن يخطبها.
قال النووي رحمه الله: هذه الأحاديث ظاهرة في تحريم الخطبة على خطبة أخيه، وأجمعوا على تحريمها إذا كان قد صُرِّح للخاطب بالإجابة ولم يأذن ولم يترك.
فلو خطب على خطبته وتزوج والحالة هذه عصى وصح النكاح ولم يفسخ، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال داود: يفسخ النكاح، وعن مالك روايتان كالمذهبين، وقال جماعة من أصحاب مالك: يفسخ قبل الدخول لا بعده.
أما إذا عُرِّض له بالإجابة ولم يُصرح ففي تحريم الخطبة على خطبته قولان للشافعي، أصحهما لا يحرم، وقال بعض المالكية: لا يحرم حتى يرضوا بالزوج ويسمى المهر.
واستدلوا لما ذكرناه من أن التحريم إنما هو إذا حصلت الإجابة بحديث فاطمة بنت قيس، فإنها قالت: خطبني أبو جهم ومعاوية.
فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم خطبة بعضهم على بعض، بل خطبها لأسامة، وقد يُعترض على هذا الدليل فيقال: لعل الثاني لم يعلم بخطبة الأول، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فأشار بأسامة لا أنه خطب له.
واتفقوا على أنه إذا ترك الخطبة رغبة عنها وأذن فيها جازت الخطبة على خطبته وقد صرح بذلك في هذه الأحاديث. انتهى كلامه.
قال المؤلف رحمه الله: (ويُسْتَحَبُّ النَّظَرُ إلى المَخْطُوبَةِ)
بيّن رحمه الله بقوله: «يستحب» أن النّظر إلى المخطوبة مُستحب؛ لحث النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، كما جاء في خبر الرجل الذي أخبر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أنّه تزوج امرأة من الأنصار، أي طلبها
(١) أخرجه مسلم (١٤٨٠) من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.