للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتعاقدا في ذاك المجلس على البيع على أن هذا له الشاة وهذا له المائة دينارمؤجلاً، لا المائة دينار موجودة ولا الشاة موجودة فكلاهما غائب مؤجل فصار دين بدين، الثمن والمبيع.

هذا البيع باطل بالإجماع، فإذا حضر الثمن أو المبيع مجلس العقد وقبض في المجلس صح البيع؛ إذا دُفعت المائة دينار في المجلس ثم سلَّمه بعد ذلك الشاة، صح البيع إذا كانت الشاة معلومة للمشتري غير مجهولة، أو سلَّمه الشاة، وأخر تسليم المال صح البيع، لكن أن تكون الشاة مؤجلة وتكون المائة دينار أيضاً مؤجلة هذا لا يجوز.

ورد فيه حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه نهى عن بيع الكالئ بالكالئ «(١) أخرجه الحاكم وغيره، ولكن الإمام أحمد رحمه الله ضعَّف هذا الحديث، ونقل الاتفاق على تحريم ذلك (٢).

وأما ما اشتراه قبل قبضه.

فيحرم بيع الشيء قبل قبضه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - «نهى أن تُباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم «(٣) رواه زيد بن ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أي؛ حتى تقبض بنقلها من مكانها.

وفي الصحيحين عن ابن عباس قال»: أما الذي نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فهو الطعام المباع حتى يُقبض، قال ابن عباس: ولا أحسِب كل شيء إلا مثله» (٤).

كل شيء مثل الطعام فليس النهي خاصاً بالطعام كما ذهب إليه بعض أهل العلم.

ابن عباس يقول: وأحسب كل شيء مثله، ويؤكد ما ذهب إليه ابن عباس حديث حكيم بن حزام قال قلت: يا رسول الله، إني أشتري بيوعاً، فما يحل لي منها، وما يحرم عليّ؟ فقال: «إذا اشتريت شيئاً فلا تبعه حتى تقبضه» (٥) هذا لفظ عام في الطعام وفي غيره.

قال البيهقي: هذا إسناد حسنٌ متصل.

وقال الترمذي رحمه الله: والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم: كرهوا أن يبيع الرجل ما ليس عنده.

قلت: والحديث المتقدم: حديث زيد بن ثابت؛ يقوي هذا المعنى.

فإذا ذهبت إلى البنك وأردت أن تشتري منه سيارة، فيقول لك: اذهب إلى معرض السيارات وعين السيارة التي تريدها وأحضر لنا فاتورة بثمن، فتذهب إلى المعرض وتأتي لهم بثمن السيارة أن ثمنها عشرة آلاف دينار وتعينها لهم، فيبيعك البنك هذه السيارة بعشرين ألفاً،


(١) أخرجه الدارقطني (٣٠٦١)، والحاكم (٢/ ٦٥)، والبيهقي (٥/ ٤٧٤)، في إسناده من لا يحتج به، انظر تفصيل القول فيه «أحاديث معلة ظاهرها الصحة» (٢٧٧) لشيخنا مقبل الوادعي رحمه الله، و «البدر المنير» لابن الملقن (٦/ ٥٦٩).
(٢) انظر «الإشراف على مذاهب العلماء» لابن المنذر (٦/ ٤٤)، و «البدر المنير» لابن الملقن (٦/ ٥٦٩).
(٣) أخرجه أحمد (٢١٦٦٨)، وأبو داود (٣٤٩٩).
(٤) أخرجه البخاري (٢١٣٥)، ومسلم (١٥٢٥).
(٥) أخرجه أحمد (١٥٣١١)، وأبو داود (٣٥٠٣)، والترمذي (١٢٣٢)، والنسائي (٤٦١٣)، وابن ماجه (٢١٨٧)، بلفظ: «لا تبع ما ليس عندك»، وجاء باللفظ المذكور عند بعضهم.

<<  <   >  >>