للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في الحديث المذكور. والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: (ويجبُ وَضعُ الجَوَائِحِ، ولا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبيعٌ، ولا شَرطَانِ في بيعٍ، ولا بيعتانِ في بيعةٍ، وربحُ ما لا يُضمَن، وبيعُ ما ليسَ عندَ البائِعِ. ويجوزُ بشَرطِ عَدمِ الخِدَاعِ، والخِيارُ في المَجلِسِ ثابتٌ ما لم يَتفرَّقَا)

قال: ويجب وضع الجوائح.

الجائحة: هي الآفة التي تهلك الثمار.

ووضع الجوائح: يعني إذا باع شخص - مثلاً - إلى آخر ثمار شجرٍ، فأصابتها آفة فأفسدتها قبل أن يقطفها المشتري؛ وجب على البائع أن يرد المال للمشتري، ويتحمل هو الخسارة.

دليل هذا القول ما أخرجه مسلم في صحيحه: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع الجوائح» (١)، وفي رواية: » لو بعتَ من أخيك ثمراً، فأصابته جائحة؛ فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ ! «(٢).

أي أخذك لمال أخيك في هذه الحالة منكر من غير وجه حق، من غير مقابل، فلذلك وجب على صاحب الثمار الأول الذي هو البائع أن يرد المال للمشتري.

ولكن الجائحة المقصودة هاهنا هي الآفة السماوية، وهي ما لا صنع للآدمي فيها، كالريح والحر والبرد والجراد الذي يأتي ويأكل الزرع، هذه آفات سماوية لا صنع للآدمي فيها، فإذا كانت هذه الثمار قد بيعت ولم يتمكن المشتري من أخذها حتى أصيبت بالآفة، فإن المشتري يرجع على البائع بالثمن ويأخذ ما دفعه له.

هذا إذا تلفت كل الثمار أو أكثر الثمار، أما إذا تلف القليل من الثمار فلا يُعتبر هذا التلف جائحة، كم قدر القليل من الثمار الذي إذا تلفت لا تعتبر جائحة؟ يُرجع في ذلك للعرف، عرف المزارعين هم الذين يعرفون ما المعتاد على تلفه من الثمار في كل سنة مثلاً، والتحديد يكون بناءً على العرف؛ لأنه لا يوجد حد شرعي يُرجع إليه ولا حد لغوي، فالتحديد يُرجع فيه إلى العرف.

وقد علَّل العلماء رحمهم الله تضمين البائع جائحة الثمرة، مع أن الضمان على من صارت في ملكه هذا هو الأصل:

بأن قبض الثمار على رؤوس الشجر بالتخلية قبض غير تام، والتخلية: أن يخلي بينه وبين الثمار كي ينتفع بها، فإذا خلّى بينه وبينها فيكون المشتري قد قبض الثمار، لكن هل هذا القبض قبض تام؟ هل صارت هذه الثمار في حوزته بالتخلية؟

لا؛ لا يزال بحاجة إلى قطفها كي تصبح في ملكه وفي قبضته بشكل تام، فالقبض غير تام.


(١) أخرجه مسلم (١٥٥٤).
(٢) أخرجه مسلم (١٥٥٤).

<<  <   >  >>