للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا خيار الخداع.

فمن خُدع فهو بالخيار بين رد السلعة أو إمضاء البيع، إذا قال: لا خلابة.

ودليله حديث ابن عمر: أن رجلاً كان يُخدع في البيوع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن بايعت فقل: لا خِلابة» (١) متفق عليه.

فإذا اشترط المشتري فقال: لا خلابة؛ فيجوز له رد السلعة إذا لم يرتضيها بعد العلم بحقيقة الأمر.

وكذلك الأمر إذا لم يشترط؛ له الخيار، ولكن حصل خلاف بين أهل العلم في هذه المسألة:

البعض قال: مَن غُبن في البيع لا حق له في الرد، واستدلوا بحديث ابن عمر قالوا: النبي صلى الله عليه وسلم لم يبطل العقود الماضية التي حصلت ولا أمر بردها، ولكن علَّمه الاشتراط.

وأما الذين قالوا بأن خيار الغبن ثابت وحق للمغبون، قالوا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث نهى عن تلقي الركبان (٢) ثم جعل الخيار للركبان إذا نزلوا السوق أن يتمموا العقد أو يردوه؛ لأن الركبان عندما يأتون ويتلقاهم التجار يشترون منهم البضائع بسعر زهيد، فيحصل غَبن خداع في مثل هذا فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لهم الخيار لهذا.

فاستدل العلماء بهذا على خيار الغبن، وأيضا الخداع كشف عن عدم الرضا المحقق، الذي هو المناط.

وقالوا أيضاً: إذا لم نقل به حصل من ذلك مفاسد وتوسع الناس في غبن بعضهم بعضاً.

وقالوا: النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر له الاشتراط للتنبيه على تحريم الخديعة، ووجوب النصح في المعاملة، وكي يعلم المخادع أن لا فائدة له بالخداع لأنه سيرد عليه بضاعته.

فمن غبن في البيع غبنا فاحشا فله الخيار.

واختلف أهل العلم في قدرالغبن الفاحش.

هم فصلوا بين الغبن الكثيروالقليل، لأن الغبن القليل حاصل في التجارات بين الناس.

واختلفوا في ضابط الكثير، فبعضهم جعل الضابط ثلث قيمة السلعة، والصحيح أن هذا القدر لا دليل عليه، والراجح في المسألة أنه يُرجع في ذلك لأهل العُرف، أهل العرف هم


(١) أخرجه البخاري (٢١١٧)، ومسلم (١٥٣٣).
(٢) أخرجه البخاري (٢٢٧٤)، ومسلم (١٥٢١).

<<  <   >  >>