للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اثنان لهما حق في ماء مشترك، ماء عين يجري أو ماء نهر يمر بأرض زيد أولاً، ثم يمر بأرض عمرو ثانياً.

فزيد أحق بالانتفاع بالماء فيعمل للماء حاجزا يمسكه في أرضه يسقي، إلى أن يصل الماء إلى كعبي الرجل - تقريبا يرتفع عن الأرض خمسة سنتمتر- ثم يترك الماء يذهب إلى جاره.

هذا الحكم قضى به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في الصحيحين عن عبد الله بن الزبير أنه حدَّث أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند النبي صلى الله عليه وسلم في شِراج الحَرَّة- أي مسيل الماء من المرتفع إلى الأسفل- التي يَسْقون بها النخل.

فقال الأنصاري: سَرِّح الماء يمر- الأنصاري يقول للزبير: اترك الماء حتى ينزل ويصلني إلى أرضي- فأبى عليه، فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اسقِ يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك»، فغضب الأنصاري، فقال: أَنْ كان ابنَ عمتك؟ ! فتلوَّنَ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدار» (١).

أي حتى تروى الأرض ولا تشرب الماء فيرتد الماء إلى الجدار.

فقال الزبير: والله إني لأحب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء/٦٥]، قال الزهري: فقدَّرَتِ الأنصارُ والناسُ قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: «اسقِ ثم احبس حتى يرجع إلى الجدار»؛ وكان ذلك إلى الكعبين.

وكان صلى الله عليه وسلم قد أشار إلى الزبير بأمرٍ فيه سعة للطرفين ليصلح بينهما بذلك فلما رفض الأنصاري حكم عليه بالحكم الشرعي، كما جاء في رواية عند البخاري.

ثم قال المؤلف: (ولا يجوزُ منعُ فضلِ الماء ليُمنعَ به الكَلأ)

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ» (٢)، وهو أن يكون بجانب بئر مملوك لشخص مثلاً عشب، وفيه ماء زائد عن حاجته، فإذا منع سقي الدواب؛ منع الاستفادة من العشب الذي يكون حول البئر، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن منع فضل الماء الذي يوصل إلى منع الكلأ. والكلأ: العشب.


(١) أخرجه البخاري (٢٣٦٢)، ومسلم (٢٣٥٧).
(٢) أخرجه البخاري (٢٣٥٤)، ومسلم (١٥٦٦).

<<  <   >  >>