فتأدية الأمانة واجبة، وتحرم خيانتها، وأما استرداد حقك ممن خانك؛ فهذا ليس بخيانة.
بعض أهل العلم يقول: إذا خانك شخص وأخذ مالك بغير وجه حق، وقدرت على مال له ائتمنك عليه؛ لا يجوز لك أن تأخذ حقك منه، ويستدلون بهذا الحديث، وقد علمت أنه ضعيف، ومخالف لحديث هند بنت عتبة الذي في الصحيحين: قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح، ولا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيّ؛ إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل عليّ في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«خذي من ماله بالمعروف ما يكفيكِ بنيك»(١).
ائتمنها أبو سفيان على ماله فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ حقها وحق أولادها؛ فلم تكن هذه خيانة.
وكذلك استدل السلف بقول الله تبارك وتعالى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ}[النحل: ١٢٦]. بوَّب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه كتاب المظالم والغصب؛ باباً يشمل هذه المسألة، وأورد هذه الآية من كلام ابن سيرين رحمه الله.
وقال الترمذي بعد تخريجه لحديث: لا تخن من خانك: وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث، وقالوا: إذا كان للرجل على آخر شيء، فذهب به، فوقع له عنده شيء، فليس له أن يحبس عنه بقدر ما ذهب له عليه.
ورخص فيه بعض أهل العلم من التابعين، وهو قول الثوري، وقال: إن كان له عليه دراهم فوقع له عنده دنانير؛ فليس له أن يحبس بمكان دراهمه؛ إلا أن يقع عنده له دراهم؛ فله حينئذ أن يحبس من دراهمه بقدر ما له عليه. انتهى. والله أعلم
قال المؤلف رحمه الله:(ولا ضَمانَ عليه إذا تَلِفَت بِدونِ جِنَايتهِ وخِيانتِهِ)
الذي وُضعت عنده الوديعة أو الذي استعار العاريَّة إذا تلفت الوديعة أو العارية: سُرقت أو فسدت أو غير ذلك، يقول المؤلف: لا ضمان عليه، بشرط أن لا يكون تلفها من جنايته أو من خيانته للأمانة، إذا تعمد كسرها مثلاً؛ يضمن؛ لأنه هو الذي جنى على العاريَّة أو على الأمانة.