للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا تعريف لليمين الغموس، عرَّف المؤلف اليمين الغموس فقال: هي التي يعلم الحالف كذبها، أي يحلف الحالف كذباً وهو يعرف أنه كذاب في حلفه هذا، يحلف على أمر ماضٍ، فيقول حصل كذا، وهو لم يحصل فيكون كاذباً.

وسميت هذه اليمين بالغموس لأنها تغمس صاحبها في نار جهنم أعاذنا الله وإياكم.

هذه اليمين لا تكفَّر , لا كفارة فيها؛ إذ هي أعظم من أن يكفِّرها ما يكفِّر اليمين.

ولا دليل على كونها تكفَّر.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن حلفَ على يمينٍ يَقتطِعُ بها مالَ امرِئٍ مسلمٍ، هو عليها فاجرٌ لقيَ اللهَ وهو عليه غَضبَانُ» (١) متفق عليه.

وفي صحيح البخاري (٢) عن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الكبائر: الإشراك بالله, وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس»، فعدَّها النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكبائر.

وفي رواية (٣): قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب» , فهذه الأحاديث ذكرت اليمين الغموس وبينت أنها من الكبائر وورد فيها وعيد، ولا يجتمع كونها كبيرة وفيها وعيد وتكفر، ولم يأت حديث صحيح يدل على أن فيها كفارة، وليست هي كاليمين الأخرى. والله أعلم.

قال ابن المنذر في الأوسط (٤) بعد ذكر إسناده: عن رفيع أبي العالية، أن ابن مسعود كان يقول: كُنّا نَعُدُّ مِن الذنب الذي لا كفارة له، اليمين الغموس: أن يحلف الرجل على مال أخيه كاذباً يقتطعه.

وقال سعيد بن المسيب: يمين الصبر من الكبائر. وقال الحسن البصري: إذا حلف على أمر كاذباً متعمداً فليس كفارة هو أعظم من ذلك. وكذلك قال حماد الكوفي، وأبو مالك، وإبراهيم النخعي.

هذا قول مالك بن أنس، ومن تبعه من أهل المدينة، وبه قال الأوزاعي، ومن وافقه من أهل الشام، وكذلك قال سفيان الثوري، وأهل العراق، وبه قال أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، وأبو عبيد، وأصحاب الحديث، وأصحاب الرأي من أهل الكوفة.

قال أبو بكر: وبه نقول والدلائل تكثر لمن قال هذا القول، أحدها: هذه الأخبار التي لا تحتمل إلا معنى واحداً، وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان». وقوله: «حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار». وقوله: «حرم الله عليه الجنة وأدخله النار» مع سائر ألفاظ الأخبار التي ذكرناها في هذا الكتاب، وسائر الأخبار التي هي مذكورة بغير هذا الكتاب، وغير جائز أن يجيز النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من حلف بهذه اليمين التي ذكرناها يلقى الله وهو عليه غضبان، مع سائر الوعيد الذي هو مذكور في هذه الأخبار، ويكون أَمرَه في كفارة اليمين بالإطعام، أو الكسوة، أو الرقبة فإن لم يجد فالصيام،


(١) أخرجه البخاري (٢٣٥٦)، ومسلم (١٣٨) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٢) أخرجه البخاري (٦٦٧٥) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(٣) عند البخاري (٦٩٢٠) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(٤) الأوسط (١٢/ ١٣٨).

<<  <   >  >>