للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويكون قوله: {ذلك كفرة أيمانكم إذا حلفتم} كفارة لما هو مذكور في الأخبار من الوعيد؛ هذا يستحيل، والكفارة إنما جعلت في الأيمان التي يكون الرجل فيها حانثاً بعد عقد اليمين، فيفعل ما حلف أن لا يفعله أو يترك ما أوجب على نفسه باليمين أنه فاعله ...

إلى أن قال: قال إبراهيم النخعي: الأيمان أربع: يمينان يُكفَّران، ويمينان لا يكفران: قول الرجل: والله ما فعلت وقد فعل، ووالله لقد فعلت وما فعل، ليس في هذا كفارة إن كان تعمد شيئاً؛ فهو كذب؛ فليستغفر الله، وإن كان يرى أنه كما قال: فهو لغو يكفر، وقول الرجل: والله لا أفعل فيفعل، ووالله لأفعلن فلا يفعل؛ فهذا فيه كفارة .... انتهى ثم نقل خلاف الشافعي في اليمين الغموس وأنها تكفر عنده. والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: (ولا مُؤَاخَذةَ باللَّغوِ)

لغو اليمين اختلف فيه أهل العلم، فبعضهم قال: هو أن يقول المرء: لا والله، وبلى والله.

كلمة تجري على اللسان لا ينوي بها اليمين ولا يعقد قلبه عليها. هذا قول.

القول الثاني: أن يعقد الحالف اليمين ظاناً صدق نفسه ثم يتبيَّن أن الأمر بخلافه.

فيحلف على أمرٍ ويظن أن هذا الأمر كما هو حلف عليه، ثم عندما تظهر حقيقة الأمر يظهر له أنه مخطئ في ظنه. بعض أهل العلم فسر لغو اليمين بهذا المعنى، ومنهم الإمام مالك رحمه الله.

ولا يبعد أن يكون كلا المعنيين مراداً.

ولغو اليمين لا يؤاخذ عليه الشخص وليس فيه كفارة؛ لقوله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} [المائدة/٨٩]، فلغو اليمين لا يعتبر شيئاً، وليس فيه كفارة.

قال ابن المنذر رحمه الله في الأوسط: ذكر اللغو في اليمين

اختلف أهل العلم في اللغو في اليمين، فقالت طائفة: هو قول المرء: لا والله، وبلى والله، روي هذا القول عن ابن عباس وعائشة .... قال أبو بكر: روي هذا القول عن عطاء، والحسن، والقاسم بن محمد، وعكرمة، والشعبي، وبه قال أبو عبيدة معمر بن المثنى، وكذلك قال الشافعي، الربيع أخبرني عنه.

وقالت طائفة: لغو اليمين هو: أن يحلف على الشيء يرى أنه كما حلف عليه ثم لا يكون كذلك، روي هذا القول عن ابن عباس وغيره .... روي ذلك عن الحسن ومجاهد، وقتادة، والنخعي، والكلبي وسليمان بن يسار، وبه قال مالك، أبو مصعب عنه، وهو قول الأوزاعي وأحمد بن حنبل وأصحاب الرأي ..... انتهى.

وذكر أقوالاً أخرى، ثم قال: قال أبو بكر- يعني نفسه-: وأكثر أهل العلم على أن لا كفارة في اليمينين اللتين بدأنا بذكرهما وهو: قول الرجل: لا والله، وبلى والله، غير معتقد بذلك

<<  <   >  >>