الخصمين، واستفصال ما لديه، وإحاطته بجميعه؛ لجواز أن يكون مع خصمه حجة يدفع بها البينة، فإن قضى قبل السماع من أحد الخصمين كان حكمه باطلاً، فلا يلزم قبوله بل يتوجه عليه نقضه، ويعيده على وجه الصحة، أو يعيده حاكم آخر. انتهى هذا هو الصحيح للمعنى الذي ذكروه.
وهنا تأتي مسألة القضاء على شخص غائب، أي الحكم على شخص غائب إذا ادعى عليه أحد دعوى هل يُحكم عليه وهو غائب أم لا؟ مسألة فيها خلاف بين العلماء، والذين أجازوا ذلك استدلوا بقصة هند بنت عتبة عندما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:«خذي ما يكفيكِ وولدكِ بالمعروف»(١) هذا الحديث يستدل به العلماء على جواز القضاء على الشخص الغائب إذا تبين للحاكم أن المدعي محق في دعواه.
قال النووي رحمه الله: واستدل به جماعات من أصحابنا وغيرهم على جواز القضاء على الغائب، وفي المسألة خلاف للعلماء؛ قال أبو حنيفة وسائر الكوفيين: لا يقضى عليه بشيء، وقال الشافعي والجمهور: يقضي عليه في حقوق الآدميين ولا يقضى في حدود الله تعالى، ولا يصح الاستدلال بهذا الحديث للمسألة؛ لأن هذه القضية كانت بمكة وكان أبو سفيان حاضراً بها وشرط القضاء على الغائب أن يكون غائباً عن البلد أو مستتراً لا يقدر عليه أو متعذراً، ولم يكن هذا الشرط في أبي سفيان موجوداً فلا يكون قضاء على الغائب بل هو إفتاء كما سبق. والله أعلم انتهى
والراجح قول الجمهور وهو جواز الحكم عليه؛ فالعبرة بالبينة فمتى وجدت فهي حاكمة في المسألة فإذا تعذر السماع منه فيكتفى بها، ولا يصح شيء يخالف ذلك، واستدل بعض أهل العلم على جواز ذلك بقصة العرنيين. والله أعلم
قال المؤلف:(وتَسهيلُ الحِجابِ بحَسبِ الإمكَانِ)
يجب على القاضي تسهيل دخول الناس عليه، الحجاب مثل الباب الذي يغلقه على نفسه حتى لا يتمكن أحد من الدخول عليه أو الحارس وما شابه.
بحسب الإمكان يسهل دخول الناس عليه والوصول إليه على قدر استطاعته من غير أن يشق على نفسه فعنده أعمال كثيرة تخصه، فلا يضع صعوبات وعراقيل على الناس تمنع