للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي مسلم من حديث وائل بن حُجر قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي كَانَتْ لِأَبِي، فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلْحَضْرَمِيِّ: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ » قَالَ: لَا، قَالَ: «فَلَكَ يَمِينُهُ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: «لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ»، فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا أَدْبَرَ: «أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا، لَيَلْقَيَنَّ اللهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ» (١)

اختصم حضرمي وكِندي-رجل من كِندة قبيلة من قبائل العرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرضٍ، قال الحضرمي وهو المدعِي: يا رسول الله هذا غلبني على أرضي يعني تسلط على أرضي وأخذها مني كانت لأبي، فقال الكندي منكراً وهو المدعى عليه: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق.

هذا يدعي وذاك ينكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي- المدعِي-: ألك بينة؟ قال: لا. قال: فلك يمينه، ما لك إلا أن يحلف اليمين يعني الكندي وهو المدعَى عليه.

وفي حديث ابن عباس في الصحيحين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» (٢)

لو يعطى الناس بدعواهم يعني بمجرد أن يدعي الشخص يعطى من غير دليل لادعى ناسٌ دماء رجالٍ وأموالهم فالكذَبة كُثُر؛ لذلك لا يجوز أن يعطى أحد شيئاً يدعيه لمجرد دعواه بل لابد من الدليل.

ونقل ابن المنذر الإجماع (٣) على ما ذكره المؤلف رحمه الله فلا خلاف في هذه المسألة.

قال النووي رحمه الله: وهذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع؛ ففيه أنه لا يقبل قول الإنسان فيما يدعيه بمجرد دعواه، بل يحتاج إلى بينة أو تصديق المدعَى عليه، فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك، وقد بين صلى الله عليه وسلم الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه؛ لأنه لو كان أعطي بمجردها لادعى قوم دماء قوم وأموالهم واستبيح، ولا يمكن المدعى عليه أن يصون ماله ودمه، وأما المدعِي فيمكنه صيانتهما بالبينة. انتهى


(١) أخرجه مسلم (١٣٩).
(٢) أخرجه البخاري (٤٥٥٢)، مسلم (١٧١١).
(٣) الإجماع لابن المنذر (ص ٦٥).

<<  <   >  >>