للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المؤلف رحمه الله: (ويَسقُطُ بِالشُّبُهَاتِ المُحتَمِلَةِ)

يسقط الحد بوجود شبهة تمنع من إقامة الحد، فإذا وُجدت شبهة سقط الحد.

هذا يستدلون له بحديث «ادرءوا الحدود بالشبهات» (١) أي ادفعوا الحد عن الشخص بوجود شبهة، وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث علي وهو ضعيف، ولا يصح في هذا الباب حديث.

والمسألة عندنا مبنية على وجود الأدلة والبينات، فإذا وُجدت الأدلة والبينات أقمنا الحد عليه وإلا فلا، نعم إذا اشتبهت الأدلة أو اشتبه وجود مانع كإكراه أو جهل فيدرأ الحد عنه؛ فالخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة، صح عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «ادْرَءُوا الْقَتْلَ وَالْجَلْدَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ». والله أعلم

قال المؤلف رحمه الله: (وبالرُّجوعِ عن الإِقرارِ)

هنا محل خلاف، إذا أقر الشخص على نفسه بأنه زنى مثلاً ثم رجع عن هذا الإقرار، فقال: لم أزن، هل هذا الرجوع يؤخذ به أم لا يؤخذ به؟

المؤلف يقول: وبالرجوع عن الإقرار، أي يسقط الحد بالرجوع عن الإقرار.

يستدل المؤلف على ذلك بحديث ماعز أنه لما وجد مس الحجارة عندما كانوا يرجمونه صرخ فقال: يا قوم ردوني إلى رسول الله فإن قومي قتلوني، وغَرّوني من نفسي، وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتل. فلما أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال: «فهلا تركتموه وجئتموني به؟ » (٢) من هنا أخذ المؤلف قوله.

وهذه الرواية أخرجها أبو داود وهي ضعيفة، فالثقات الأثبات الذين رووا قصة ماعز لم يذكروا هذه الزيادة فيه، وإن صحت فظاهرها إرادة التثبت فقط، وإلا فمن أين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءوه به كان سيسقط عنه الحد؟ ليس لنا أن ندَّعي هذا، فلو صحَّت هذه الرواية فليس فيها ما يدل على ما ذهب إليه المؤلف، مع أنها رواية ضعيفة.

وفي نفس الحديث قال حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب حدثني ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهلا تركتموه» من شئتم من رجال أسلم ممن لا أتهم، قال: ولم أعرف هذا الحديث،


(١) أخرجه أبو مسلم الكجي كما في البدر المنير، وابن عساكر كما في إرواء الغليل، وأخرجه البيهقي بالمعنى في الكبرى (٨/ ٤١٣) من طرق معلة بالإرسال وضعف الإسناد والوقف، وقد بين ذلك البيهقي رحمه الله، وانظر البدر المنير (٨/ ٦١١)، وإرواء الغليل (٢٣١٦).
(٢) أخرجه أحمد (١٥٠٨٩)، وأبو داود (٤٤٢٠).

<<  <   >  >>