أما المهادنة فهي المصالحة، مصالحة الإمام أو نائبه الكفار على ترك القتال مدة من الزمن، يعني الإمام أو نائب الإمام له أن يعقد عقد صلحٍ مع الكفار، على ترك القتال بينهم مدة من الزمن.
يفعلها الإمام إذا رأى أن المصلحة للإسلام والمسلمين فيها، ولو اشترط الكفار عليه شروطاً. هذا معنى كلام المؤلف:
وتجوز مهادنة الكفار ولو بشرطٍ، وإلى أجلٍ أكثره عشر سنين، ويجوز تأبيد المهادنة بالجزية. يعني عقد الصلح من الإمام مع الكفار على ترك القتال جائز، على كلام المؤلف لا يجوز أن يخرج عن عشر سنين، وإذا اشترط الكفار شروطاً أيضاً يجوز عقد الصلح معهم، ويجوز تأبيد المهادنة بالجزية، يعني جَعْل الصلح بينهم وبين المسلمين مؤبَّداً لا وقت انتهاء له، يجوز هذا، ولكن بشرط أن يدفعوا الجزية للمسلمين.
هذا معنى كلام المؤلف.
أدلة ذلك حديث صلح الحديبية مشهور ومعروف، عقد النبي صلى الله عليه وسلم صلحاً مع كفار قريش، مدة العقد كانت عشر سنين، هذا الحديث في الصحيحين، اشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ مَنْ جاء منكم لا نرده عليكم، ومن جاء منا رددتموه علينا (١).
هذا كله موجود في الصحيح. فهذا يدل على جواز الصلح، حتى لو كان بشرطٍ من الكفار على المسلمين، وفيه أن مدة الصلح عشر سنين.
لكن لا نسلِّم للمؤلف بأن المدة يجب أن تكون عشر سنين؛ لأنه لا يوجد دليل على حصر المدة بعشر سنين، هم يستدلون بأن الأصل قتال الكفار؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر بقتالهم، ولا يجوز الصلح إلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صالح لمدة عشر سنين، فدل ذلك على الجواز إلى هذه المدة،
فلا يجوز الخروج عن هذه المدة.
ولكن لا يوجد ما يدل على حصر المدة بعشر سنين، ووقوع ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدل على أن الأكثر غير جائز كما لا يخفى، والذي يظهر أن المسألة متعلقة بالمصلحة التي جاز الصلح لأجلها، فإذا كان بالمسلمين ضعف كحالنا اليوم؛ جاز الصلح على أكثر من عشر
(١) أخرجه البخاري (٢٧٣١)، وأما ذكر عدد السنين فهو عند أحمد (١٨٩١٠)، وأبي داود (٢٧٦٦).