سنين، بشرط أن يكون المعتبر المصلحة، ولا يكون في ذلك تحايلاً لإبطال فرض الجهاد وطلب العدو؛ لأننا مأمورون بقتال الكفار، فلا يجوز تركه والمصالحة إلا للمصلحة فقط.
قال ابن قدامة في المغني: فصل: ومعنى الهدنة، أن يعقد لأهل الحرب عقداً على ترك القتال مدة، بعوض وبغير عوض.
وتسمى مهادنة وموادعة ومعاهدة، وذلك جائز، بدليل قول الله تعالى:{براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين}[التوبة: ١]. وقال سبحانه وتعالى:{وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}[الأنفال: ٦١].
وروى مروان، ومسور بن مخرمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح، سهيل بن عمرو بالحديبية، على وضع القتال عشر سنين.
ولأنه قد يكون بالمسلمين ضعف، فيهادنهم حتى يقوى المسلمون، ولا يجوز ذلك إلا للنظر للمسلمين؛ إما أن يكون بهم ضعف عن قتالهم، وإما أن يطمع في إسلامهم بهدنتهم، أو في أدائهم الجزية والتزامهم أحكام الملة، أو غير ذلك من المصالح.
إذا ثبت هذا، فإنه لا تجوز المهادنة مطلقاً من غير تقدير مدة؛ لأنه يفضي إلى ترك الجهاد بالكلية. انتهى. والله أعلم
وأما قوله: ويجوز تأبيد المهادنة بالجزية، أي يجوز أن نجعل المصالحة دائمة، بشرط أن يدفعوا لنا الجزية؛ لأن الله أمر بالقتال حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، كما قال في كتابه:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة/٢٩] تدل هذه الآية على أن القتال يجب أن يستمر إلى أن يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، فغايته التي ينتهي إليها القتال؛ إعطاء الجزية.
وتقدم في الأحاديث الصحيحة أيضاً أن المشركين يُدعون إلى أحد ثلاث: فإن قبلوا بالإسلام يُترك القتال، وإذا لم يقبلوا عُرضت عليهم الجزية، فإن قبلوا تُرك القتال، وإلا قوتلوا كما تقدم معنا في الحديث الذي في صحيح مسلم.
والجزية: قدرٌ من المال يؤخذ ممن دخل في ذمة المسلمين وعهدهم من الكفار وتقدم بيانها.
أما قدرها فيرجع إلى ولي الأمر، هو يقدرها بحسب المصلحة.