للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروت عائشة وغيرها في «الصحيح» وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان جالساً وهو كاشف عن فخذه فدخل أبو بكر وعمر وهو كذلك، فلما دخل عثمان جلس وسوّى ثيابه فغطى فخذه وقال: «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة» (١).

وشك في رواية الفخذ أم الساق، وفي غيرهما الجزم بالفخذ.

فاختلف أهل العلم في طريقة الجمع بين هذه الأحاديث، وأرجح الأقوال عندي، الذي فيه العمل بجميع الأدلة، أن يقال: إن العورة منها ما هو مغلظ يحرم كشفه وهما السوءتان، ومنها ما هو مخفف يكره كشفه وهما الفخذان، والله أعلم.

وأما عورة المرأة فجميع بدنها ما عدا الوجه والكفين.

وهذا قول مالك والشافعي ورواية عن أحمد والأوزاعي وأبو ثور وهو قول جمهور العلماء.

وزاد بعض أهل العلم القدمين أيضاً، فقالوا ليستا بعورة.

وفي رواية عند أحمد، أن المرأة كلها عورة.

وسبب هذا الاختلاف، فهم معنى قوله تبارك وتعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} فقوله هنا {إلا ما ظهر منها}، هل المقصود به الثياب الظاهرة كما قال ابن مسعود، فيكون المقصود ما لا يملك ظهوره، أم الوجه والكفين كما قال ابن عباس، فيكون المقصود أعضاء محدودة؟

وقول الجمهور هو الصواب، والدليل عليه أن بعض النساء كن يكشفن وجوههن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر عليهن.

من ذلك حديث الخثعمية في الحج، عن عبد الله بن عباس أنه قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، قالت يا رسول الله: إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبى شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال: «نعم». وذلك في حجة الوداع (٢).


(١) أخرجه مسلم (٢٤٠١).
(٢) أخرجه مسلم (١٣٣٥).

<<  <   >  >>