جَدُّ أَبي نوح، وأَنه أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بالقلم، ونَظَرَ في علمِ النجومِ والكواكب،
وأُنزلَ عليه ثلاثون صحيفة، وأَنه رُفِعَ بجسْمِه إِلى السماءِ، كما رُفِعَ عيسَى - صلى الله عليه وسلم - وهذا الكلامُ من الإِسرائيليات، ولا دليل عليه من حديثِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم.
وأَخبرَ اللهُ أَنه رَفَعَ إِدريسَ مكاناً عليّاً: (إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (٥٧) .
وأَخَذَ بعضُ العلماءِ الكلامَ على ظاهرهِ، وقالوا: رُفِعَ إِدريسُ
بجسْمِه وروحِه إِلى السماء، كما رُفِعَ عيسِى - عليه السلام -.
وذهبَ آخَرون إِلى أَنَّه لم يُرْفَعْ إِلى السماء، وأَنه ماتَ موتاً طبيعياً، ودُفِنَ
على الأَرض، والراجحُ أَنَّ المرادَ برفعِه مكاناً علياً منزلةُ النبوة، ودرجةُ القُربى والكرامةِ عندَ الله، لأَنه صِدّيقٌ نبى - صلى الله عليه وسلم -.
وفي زمنِ نبوةِ إِدريس - صلى الله عليه وسلم - خِلافٌ بين العلماء:
- فمنهم مَنْ ذهَبَ إِلى أَنه كانَ بعدَ آدمَ وقبلَ نوحٍ - صلى الله عليهما وسلم -، كما ذَكَرَ البيضاوي، وعندما يَعُدُّونَ الأَنبياءَ يكونُ هو في الرقمِ الثاني، فيقولون: آدمُ، إدريسُ، نوح، هود، صالح ... وهكذا.
ولعلَّ هؤلاءِ تَأَثَّروا بكلامِ العهدِ القديم، حيثُ ذَكَرَ الأَحبارُ أَنَّ اسْمَه
أَخنوخ، وأَنه رُفِعَ بِجِسْمِهِ إِلى السماء، فقالَ هؤلاءِ العلماءُ بقولهم.
- وذهبَ آخرونَ إِلى أَنَّ نبوةَ إِدريسَ - عليه السلام - متأَخرَةٌ، وأَنه كانَ نبيّاً في بني إِسرائيل، نَقَلَ القرطبيُّ في تفسيرِه عن القاضي أَبي بكر بنِ العربيِّ قولَه: " ومَنْ قالَ: إِنَّ إِدريسَ كان قبلَ نوح، فقد وَهِم!.
والدليلُ على وَهْمِه الحديثُ الصحيحُ في المعراجِ، حينَ لقيَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - آدمَ وإدريس.
فقالَ له آدَمُ: مرحباً بالنبيِّ الصالحِ والابنِ الصالح، وقالَ له إدريس: مرحباً بالنبيِّ الصالحِ والأَخ الصالح..
فلو كانَ إِدريسُ أَباً لنوحٍ لقال: مَرحباً بالابنِ الصالحِ والنبيِّ الصالح، ولَمّا قَالَ له إِدريسُ: الأَخ الصالح دَلَّ على أَنه يجتمعُ معه في نوح (١) ..
(١) لا يدل على المطلوب.