ثانياً: ماذا أخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - من كللام عمر بن الخطاب؟ :
زَعَمَ الفادي المفترِي أَنَّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ كَلاماً لعمرَ وَوَضَعَهُ في القرآن، وهو المسَمّى بموافقاتِ عُمَر.
والموافقاتُ التي ذَكَرَها صاغَها بأُسلوبه، وَوَظَّفَها دَليلاً لاتهاماتِه.
أ - موافَقَة عمر في عداوة الله عدوَّ جبريل:
قالَ عن هذه الموافقة: كانَ لعمرَ بن الخطاب أَرضٌ بأَعلى المدينة،
وكان مَمَرُّهُ على مِدْراسِ اليهود، فكانَ يَجلسُ إِليهم، ويَسمعُ كَلامَهم..
فقالوا يوماً: ما في أَصحابِ محمدٍ أَحَبُّ إِلينا منك، وإِنا لنطمعُ فيك! فقالَ عُمَر: واللهِ ما آتيكم لحُبِّكم، ولا أَسأَلُكم لأَني شاكٌّ في ديني، وإِنما أَدخلُ إِليكم لأَزدادَ بصيرةً في أَمْرِ محمدٍ.
فقالوا: مَنْ صاحبُ محمدٍ الذي يأْتيه من الملائكة؟
قال: جبريل.
قالوا: ذلكَ عَدُوُّنا.
فقال عمر: مَنْ كانَ عدوّاً للهِ وملائكتِه ورسلِه وجبريلَ وميكالَ فإِنَّ اللهَ عَدُوُّه.
فلما سمعَ محمدٌ بذلك قال: هكذا أُنزلَتْ، وأَوردَها في قرآنِه في سورةِ البقرة.
وقالَ محمد لعمر: لقد وافَقَكَ رَبُّك يا عمر.
وعَلَّقَ على ما أَوردَه بقوله: " ونحنُ نسأل: أَليسَ الأَصحُّ أَنْ يقولَ
محمد: إِنَّ عُمَرَ وافقَ رَبَّه، لا العكس؟
والأَغربُ من هذا أَنَّ محمداً يَنتحلُ أَقوالَ عمر، ويقولُ: إِنها هكذا نَزَلَتْ! وفي هذه الحالة: هل يُعْتَبَرُ عمرُ نبيّاً يوحى إِليه؟
أَمْ أَنَّ محمداً انتحلَ أَقوالَ غيره، وقال: إِنها وَحْي؟ ".
وهذه الروايةُ في سببِ نزولِ قولِه تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (٩٨) .
التي اعتَمَدَها الفادي المفترِي لأَنها توافقُ هواه، رواية ضعيفة، مذكورة في بعضِ التفاسير عن الشعبيّ عن عمرَ بن الخطاب، ومذكورةٌ بأسانيدَ أُخرى عن قتادةَ عن عُمَر، وحكمَ عليها بالضعفِ الإِمامُ الحافظُ ابنُ كثير.