ونحنُ مع ابنِ العربيِّ والقرطبيّ في أَنَّ إدريسَ مُتَأَخِّر، وأَنه من أَنبياءِ بني
إِسرائيل، ومما يُؤَكِّدُ ما قالَه ابنُ العربي أَنَّ آدمَ وإِبراهيمَ خاطَبا محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالبُنُوَّة، وقالا له: مَرْحَباً بالنبيِّ الصالح والابنِ الصالح.
بينما خاطَبَهُ الخمسةُ الآخَرون: يوسفُ وموسى وهارونُ وإِدريسُ وعيسى بالأُخُوَّة، وقالوا له: مرحباً بالنبيِّ الصالحِ والأخ الصالح.
وبهذا نعرفُ خَطَأَ كلامِ الفادي من أَنَّ إِدريسَ هو أَخنوخ، وأَنه جَدُّ
نوح، فما قالَه عنه القرآن هو الصحيح، وهو من أَنبياءِ بني إِسرائيل
المتأَخِّرين.
***
[من هم أتباع نوح - عليه السلام -؟]
لَمّا دعا نوحٌ عَلّإِثر قومَه إِلى عبادةِ اللهِ وَخدَه كَفَروا به وكَذَّبوه، ولم
يَتْبَعْه إِلّا قليلٌ منهم، وأَثارَ الملأُ من قومِه الشبهاتِ ضِدَّه، وأَخبَرَنا اللهُ في
القرآنِ عن بعضِ تلك الشبهات.
قال - عز وجل - (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (٢٧) .
اتَّهَمَ الملأُ نوحاً بأَنَّه ليسَ نبيّاً، وأَنه بَشَرٌ مثلُهم، وأَنَّ الذين آمَنوا به
واتَّبَعوهُ ليسوا سادَةَ القومِ وأَشْرافَهم، إِنما هم الأَراذلُ والضعفاءُ: (وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ) .
وخَطَّأَ الفادي القرآنَ في هذا الكلام، لأَنه يتعارضُ مع كلامِ الأَحبارِ في
العهد القديم، والمعتمدُ عنده هو ما في العهدِ القديم..
قال: " ونحنُ نسأَل:
أَينَ الأَراذلُ الذينَ اتَّبَعوا نوحاً وآمَنوا به؟
إِنَّ أَحَداً لم يُؤْمِنْ بكَرازَتِه، كما تقولُ