للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعتراضُ الفادي عندنا لا وَزْنَ له، ولا يهمنا ماذا قالَتْ أَسفارُ العهدِ

القديمِ عن يعقوبَ وموسى - صلى الله عليهما وسلم -..

إِنَ الذي يَعْنينا ويهمُّنا هو ما قالَه القرآن، وهو الصحيحُ، والمعتمدُ عندنا، وكُل ما وَرَدَ فيه فهو الصواب.

لقد خَدَمَ موسى - صلى الله عليه وسلم - عند الرجلِ الصالحِ في مَدْيَن - الذي لم يَذكر القرآنُ اسْمَه - عَشْرَ سنوات، مقابلَ زواجِه من إِحدى ابنَتَيْه، كان فيها يَرعى الغنم، وكانت السنواتُ العشرُ التي قضاها مَهْراً للمرأةِ التي تزوَّجَها.

هذا ما صَرَّحَ به القرآن، وهو الذي نؤمنُ به عن يَقين.

***

[وراثة بني إسرائيل للأرض]

وَعَدَ اللهُ بني إِسرائيلَ أَنْ يَرِثوا الأَرضَ بعدَ هلاكِ فرعونَ وجنودِه.

قال تعالى: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩) .

وأَرادَ الفادي أَنْ يُثيرَ شبهةً على الآية، فذهبَ إِلى تفسير البيضاوي، لعلَّهُ

يَجِدُ فيه ما يُرِيدُ.

فَنَقَلَ عنه قولَه في تفسيرِ الآية.

" هي وَعْدٌ لهم بالنّصرة، وتذكيرٌ لمَا وَعَدَهم، من إِهلاكِ القِبط، وتوريثِهم ديارَهم وتحقيقٌ له ... "..

وقالَ في تفسير قوله تعالى: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ ... ) : " وقد رُوِيَ أَنَّ مصرَ إِنما فُتِحَت لهم في زمنِ داود - صلى الله عليه وسلم -.

وعَلَّقَ الفادي على كَلام البيضاويّ بقولهِ: " ومعروفٌ للجميعِ أَنَّ بَني

إِسرائيلَ وَرِثوا أَرْضَ مصر " (١) .


(١) جاء في كتاب شبهات المشككين ما نصه:
١٠٠- لم ترث إسرائيل مصر
إن فى القرآن أن بنى إسرائيل ورثوا أرض مصر بعد هلاك فرعون. وهذا خطأ فإنهم لم يرثوا إلا أرض كنعان.
الرد على الشبهة:
١ - على قوله: إن دعوة موسى كانت خاصة لبنى إسرائيل. فإن حدود مصر تبدأ من " رفح " وهم يقولون: إن المواعيد هى من النيل إلى الفرات. فيكون الجزء من رفح إلى النيل داخلاً فى الإرث.
٢ - والإرث ليس لاستغلال خيرات الأرض وتسخير أهلها فى مصالح اليهود. ولكنه " إرث شريعة " فإن الله قال لإبراهيم - عليه السلام -: " سر أمامى وكن كاملاً " [تك ١٧: ١] أى امشى أمامى فى جميع البلاد لدعوة الناس إلى عبادتى وترك عبادة الأوثان. وقد سار إبراهيم ودعا بالكلام وبالسيوف. ولذلك سرّ الله منه، ووعده بمباركة الأمم فى نسل ولديه إسحاق وإسماعيل. والبركة معناها: ملك النسل على الأمم إذا ظهر منه نبى. وسلمه الله شريعة. ولما ظهر موسى - عليه السلام - وسلمه الله التوراة. أمره بنشرها بين الأمم. وإذا نشرها بين أمة فإنه يكون وارثاً لهذه الأمة " إرث شريعة " إذ هو بنشرها يكون بنو إسرائيل والأمم متساوون أمام الله فيها. وما فائدة بنو إسرائيل إلا التبليغ فقط. وبه امتازوا عن الأمم. ويدل على ذلك: إرثهم لأرض كنعان - كما يقولون - فإنهم ورثوها لنشر شريعة التوراة فيها، وكان الإرث على يد طالوت وداود - عليهما السلام - وقد قال داود - عليه السلام - لجالوت وهو يحاربه: إن الحرب للرب. أى أن القتال فى سبيل الله. ذلك قوله: " وتعلم هذه الجماعة كلها أنه ليس بسيف ولا برمح يخلّص الرب؛ لأن الحرب للرب. وهو يدفعكم ليدنا " [صموئيل الأول ١٧: ٤٧] .
وإذا أراد الله نسخ التوراة يكون معنى النسخ إزالة ملك النسل اليهودى عن الأمم ليقوم النسل الجديد بتبليغ الشريعة التى أقرها الله فيهم لتبليغها إلى الأمم. وهذا ما حدث فى ظهور الإسلام. فإن بنى إسماعيل - عليه السلام - حاربوا وملكوا ونشروا القرآن وعلموه للأمم. ولهم بركة. فإن الله قال لإبراهيم عن إسماعيل: " وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه " [تك ١٧: ٢٠] .
وفى التوراة عن بركة إبراهيم: " وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض " [تك ١٢: ٣] ومعنى مباركة جميع أمم الأرض فى إبراهيم: هو أن نسله يبلغون للناس شرائع الله.
وفى التوراة عن إرث بنى إسماعيل للأمم: " ويرث نسلك أمماً، ويعمر مدناً خربة " [إش ٥٤: ٣] .
٣ - وكتب المؤرخين تدل على أن بنى إسرائيل أقاموا فى مصر. وقد نقل صاحب تفسير المنار فى سورة يونس عن يونانيين قدماء أن موسى - عليه السلام - رجع إلى مصر بعد هلاك جنود فرعون وحكم فيها ثلاث عشرة سنة. اهـ (شبهات المشككين) .

<<  <  ج: ص:  >  >>