للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليستْ هذه أَوَّلَ مَرَّةٍ يَجعلُ اللهُ في السمواتِ والأَرضِ والجبال قُدرةً

على الفهم والكلامِ والجَوابِ على السُّؤال - على مُسْتَواها الضعيف المحدود -، فلما خَلَقَها اللهُ خاطَبَها وأَجابَتْ؟

قال تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) .

سَمعت السمواتُ والأَرضُ خِطابَ اللهِ لهما، وفَهِمَتاهُ على طريقَتِهما،

وأَجابَتا اللهَ قائلَتَيْن: أَتَيْنا طائِعين!

ولا نَدري كيفَ حَصَلَ ذلِك، لأَنَّ هذا معجزةٌ من الله، أَوجَد فيهما سبحانَه إِدْراكاً خاصّاً، وسَماعاً خاصّاً وفَهماً خاصّاً، وأَجابَتا جَواباً خاصّاً أَيضاً!

فالأَمْرُ أَمْرُه، والإِرادَة إِرادَتُه - عز وجل -.

***

[الله يلين الحديد لداود - عليه السلام -]

تَحتَ عنوانِ: " الحَديدُ يَلينُ كالشَّمْع "

اعترضَ الفادي على كَلامِ القرآنِ عن إِلانَةِ الحَديدِ لداودَ - عليه السلام -.

وذلك في قولِه تعالى: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١) .

وذَكَر كلامَ البيضاويِّ في تفسير الآية: " قالَ البيضاوي: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) جعلناهُ في يَدِه كالشمع يُصَرِّفُهُ كيفَ يشاء، من غيرِ إِحْماءٍ وطَرْقٍ بآلاتِه

أو بقُوَّتِه ".

وعَلَّقَ على ذلك بقوله: " ونحنُ نسأل: كيفَ يُغَيِّرُ الحديدُ خاصِّيتَه بينَ

يَدَيْ داودَ، فيفقدُ صلابَتَه، ويتحوَّلُ إِلى لُيونَةِ ومُرونَةِ الشمعِ، بغرِ إِحماءٍ أَو

طَرْق؟

وما هو الهَدَفُ من هذهِ المعجزةِ التي لو كانَتْ قد جَرَتْ فِعْلاً لَذَكَرَتْها

التوارةُ المقَدَّسَة؟.

اكتفى القرآنُ بقولِه: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) .

ولم يَقُل القرآنُ: جعلْنا الحديدَ في يَدِه كالشمعِ، يُصرِّفُه كيفَ يَشاء، من غيرِ إِحماءٍ وطَرْقٍ بآلاتِه.

<<  <  ج: ص:  >  >>