تُسَبِّح، فنفَّذَتْ أَمْرَه سبحانه وسَبحَتْ، ولا نَدري كيفَ سَبَّحَتْ، وهي الجمادُ الذي لا عَقْلَ عندَه ولا إِدْراك.
المهمُّ أَنَّ اللهَ هو الذي أَوجَدَ عندَها القدرةَ على التسبيح فَسَبَّحَتْ!
والأَمْرُ ليس غريباً على الله، وليس مستَبْعَداً عند الله، فهوعلى كُلًّ شيء قدير!.
والمرةُ الثانية: في حديثِه عن الأَمانةِ التي حَمَلَها الإِنسانُ الظَّلومُ الجَهول.
قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (٧٢) .
عَرَضَ اللهُ أَمانَةَ التكليفِ على السمواتِ والأَرضِ والجبال، لكنهنَّ أَبينَ أَنْ يحملْنَها ويُكَلَّفْنَ بِها، لأنهنَّ أَشفقْن منها، وخِفْنَ من التقصيرِ فيها.
ولما عُرِضَت الأَمانةُ على الإِنسانِ استَعَدَّ أَنْ يَحملَها، رغمَ المسؤوليةِ والتبعةِ والحساب، وهو بذلك ظلوم جهول!!.
وقد اعترضَ الفادي على ذلك، فقال: " ونحنُ نَسأَل: هل للجبالِ فَهْمٌ،
يَجعلُها تُدركُ ما لا يُدركُه أَكثرُ البَشَر، فترفضُ الأَمانَةَ المعروضة عليها؟! ".
ونَقولُ له: وما المانعُ العقليُّ من ذلك؟
إِنَّ اللهَ هو الذي جعلَ فيها نوعاً من الإِدْراك، بحيثُ تَسمعُ وتَفهمُ وتُجيب، وهو ليسَ كسَماعِنا وفَهْمِنا وإدْراكِنا وكَلامنا وجوابِنا، وإِنما نوعٌ خاصٌّ على مُستواها، وهو ليس أمْراً عاديّاً، وإنما هو خارقةٌ من الخوارق، ومعجزةٌ من المعجزات!! واللهُ يَفعلُ ما يشاء، ويوجِدُ فيه ما يَشاء، ولا شيءَ مستحيلٌ على إِرادةِ الله.
ولماذا يَستبعدُ الفادي ذو العقلِ الصَّغيرِ كلامَ الجبال، ويَجعلُهُ مُستحيلاً
عَقْلاً، ولم يَستبعدْ تحويلَ العَصا اليابسةِ إِلى أَفْعى فيها روحٌ وحياة!..
كانَ موسى - عليه السلام - يُمسكُ عَصا يابسةً بيدِه، ولما أَلْقاهَا بأَمْرِ اللهِ جَعَلَ اللهُ فيها حياة، وحَوَّلها إِلى أَفعى تَسعى، وَحَمَلها موسى بيدِه وهي حَيَّة، ولما أَلْقاها على الأَرضِ ثانيةً أَعادَها اللهُ عصا يابسة!! وكان هذا كُلّه بأَمْرِ اللهِ، فالذي جَعَلَ العصا الخشبيةَ حَيَّة تَسعى هو نفسُه الذي جعلَ الجبالَ تتكلم.