للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحِلّونَ ما حَرَّمَ الله، فكانوا يُحِلّونَ القتالَ في شهر ذي القعدة أَحياناً، ويُحِلّونَه في شهر ذي الحجةِ أَحياناً أُخرى.

وبهذا نَعرفُ معنى " النسيءِ " الذي كان يفعلُه المشركونَ في الجاهلية،

وأَنه قائم على معنى التأْخيرِ والنقلِ والتلاعبِ والتغييرِ والتبديل! وليس بمعنى

تركِ التاريخِ بالحسابِ القمري، والتاريخِ بالحسابِ الشمسي، وأَنَّ استعمالَ

الحسابِ الشمسيِّ في التقويمِ والتاريخِ حرامٌ وكفر! كما فهم ذلك الجاهلُ

المتعالم! وصَدَقَ فيه قولُ الشاعر:

وكَمْ مِنْ عائِبٍ قَوْلاً صحيحاً ... وآفَتُهُ هي الفهمُ السقيم

***

[بماذا تروى مصر؟]

اعترضَ الفادي على حديثِ القرآنِ عن رِيّ أَرضِ مصر! وذلك في قولِه

تعالى: (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩) .

وقد فَهِمَ الفادي لجهلهِ الآيةَ فَهْماً خاطئاً، واعْتَبَرَها خطأً جغرافياً، وقالَ

في تخطئتها: " الإِشارةُ هنا إِلى القحطِ الذي أَصابَ مصرَ سبْعَ سنينَ متواليةً،

أَيامَ يوسف، فيُبشّرُهم بالخَصْبِ بعدَ الجَدْب، ويقولُ: إِنه في عام الخَصْبِ

يُمْطَرون، فكأَنَّ خَصْبَ مصر مُسَبَّبٌ عن الغيثِ أَو المطر.

وهذا خِلافُ الواقعِ، فالمطرُ قَلَّما يَنزلُ في مِصر، ولا دَخْلَ له في خَصْبِها الناتجِ عن فيضانِ النِّيل، فكيفَ يُنْسَبُ خَصْبُ مِصرَ للغيثِ والمطرِ؟ " (١) .

إِنَّ الآيةَ التاسعةَ والأَربعينَ من سورةِ يوسفَ مرتبطةٌ مع الآياتِ التي

قَبْلَها، والتي أَخبرتْ عن رؤيا رآها ملكُ مصر في زمنِ يوسفَ - صلى الله عليه وسلم -، وطَلَبَ من الملأ حولَه أَنْ يعبروها له، ولما عَجَزوا عن تعبيرها، تَوَجَّهوا إلى


(١) جاء في كتاب شبهات المشككين ما نصه:
٧٠- رىّ مصر بالغيث!
إن أرض مصر تُروى بالنيل، ولا تروى بالمطر. وفى القرآن: (ثم يأتى من بعد ذلك عام فيه يُغاث الناس وفيه يعصرون) (١) .
وهذا يدل على غوثهم بالمطر. فكيف ينسب خصب مصر للغيث والمطر؟
الرد على الشبهة:
هنا كلمتان:
١- (يغاث (
٢- (يعصرون (.
وكلمة الغوث على الحقيقة تدل على نزول ماء من السماء. وكلمة العصر على الحقيقة تدل على عصير العنب. لأن الشائع بين الناس فى العصر هو العنب. والمؤلف يوجه النقد على المعنى الحقيقى فى نزول المطر، ولم يوجه النقد لعصير العنب. وكلمة الغيث جاءت على الحقيقة مثل: " فامتنع الغيث ولم يكن مطر " [إرمياء ٣: ٣] ، وجاءت على المجاز مثل: " لأعرف أن أغيث المعيى " [إشعياء ٥٠: ٤] . أما على المجاز فالشبهة منتفية. وأما على الحقيقة فهذا هو غرض المعترض وهو مغرض فى ذلك.
وذلك لأن الأمر كله خارج على المألوف. وبيان خروجه على المألوف: أن المدة خمس عشرة سنة. سبع شداد يأكلن سبعًا سمانًا أو: سبع سمان يأكلهن سبع عجاف. والسنة الأخيرة يأتى فيها الخير قليلاً. والمناسب لقلة الخير؛ نزول المطر. وقلة المياه تكفى لرى العنب والفواكه فى أماكن زراعته، وتكفى لإنبات قمح يكون بذره بذرا للسنوات الآتية التى سيكثر فيها ماء النيل. وهذا أمر غير مستبعد فى العقل. فكيف يكون شبهة؟
أما عن العصر. فإنه يكون على الحقيقة مثل: " فأخذت العنب وعصرته فى كأس فرعون، وأعطيت الكأس فى يد فروع " [تكوين ٤٠: ١١] ، ويكون على المجاز مثل: " فألقاه إلى معصرة غضب " [رؤية١٤: ١٩] .
وإذا ثبت وجود العصر، وليس لماء النيل وجود. فكيف حيى النبات وعاش؟ وفى السنوات السبع العجاف كانت سنابل القمح تخرج من الأرض خروجاً هزيلاً. فكيف خرجت وهى هزيلة والنيل لا يروى الأراضى؟
لابد من القول بوجود مصدر للمياه غير النيل. إما آبار عيون، وإما مطر. ففى حلم فرعون: " وهو ذا سبع سنابل طالعة فى ساق واحد سمينة وحسنة. ثم هو ذا سبع سنابل رقيقة وملفوحة بالريح الشرقية نابتة وراءها " [تكوين ٤١: ٥-٦] ، وكرر الكلام وقال فيه: " نابتة وراءها " [تك ٤١: ٢٣] كيف تكون نابتة وليس لماء النيل من سواقى؟. اهـ (شبهات المشككين) .

<<  <  ج: ص:  >  >>