للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما وردَ هذا في روايةٍ منسوبةٍ لابنِ عباس، رَفَعها بدورِه لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،

وهذه الروايةُ تَحتاجُ إِلى تخريج، المهمُّ أَنَّ القرآنَ لم يَقُلْ ذلك!.

وأَسْنَدَ القرآنُ إِلى الرعْدِ التسبيح، على طريقةِ القرآنِ المعجزةِ في التعبير،

وهي " التصوير "، يَعرضُ فيها الأَفكارَ والمعاني بطريقةٍ مُصَوَّرَة، كأَنَّ القارئَ

يرى أَمامَه صُوَراً حيةً متحركة، وليسَ مجردَ كلماتٍ وعبارات.

الرعْدُ صوتٌ مسموعٌ من السحاب، وهو ظاهرةٌ جويةٌ معروفة، ناشئةٌ عن

تصادُمِ السحبِ في الجَوّ، وارتطامِها بعضها ببعض، وهو غيرُ ملموسٍ ولا

مُجَسَّم، لكنَّ الآيةَ عرضَتْه بصورةٍ مجسَّمةٍ شاخصةٍ متخيَّلَة، حيثُ حَوَّلَتْه إِلى

جسمٍ مادي، وشخصٍ حيّ، يتحركُ ويَتكلم، وله لسانٌ يُسَبِّحُ به ربَّه ويَحمدُه!

وليس مجردَ صوتٍ قاصف، ناتجٍ عن ارتطامِ السُّحُب!!.

وعندما يَسمعُ المسلمُ الآية، يَتَخَيَّلُ في خيالِه الرعد، رَجُلاً جالِساً وسْطَ

السحاب، يَذْكُرُ اللهَ ويُسَبِّحُه ويَحمدُه، بصوتٍ عالٍ مرتفع!.

فالقرآنُ لم يُخطئْ عندما تكلَّمَ عن الرعد بهذه الطريقةِ المعجزة، وعَرَضَهُ

في هذه الصورةِ الحيةِ المتحركة.

لكنَّ الفادي الجاهلَ لا يَعرفُ طريقةَ القرآنِ في التعبير، ولا يستمتعُ بما فيه من روائعِ التصوير!! (١) .

أَما حديثُ الترمذيِّ عن ابنِ عباس فقد اختلفَ فيه العلماء، فمنهم مَنْ ضَعَّفَه، ومنهم مَنْ صَحَّحَه، وهذا أَمْرٌ حديثيّ لا يَعنينا هنا، لأَنَّ موضوعَنا هو القرآن!!.

***

[بين وادي طوى وجبل حوريب]

اعترضَ الفادي على حديثِ القرآنِ عن المكانِ الذي سمعَ فيه موسى - صلى الله عليه وسلم - كلامَ الله، لأَنَّه يتعارضُ مع ما وردَ في الكتابِ المقَدّس!.

قال الله - عز وجل -: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٢) .

وقال وَجمسَّ: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (١٥) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٦) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (١٧) .


(١) الراجح عند المحققين أن تسبيح الرعد على وجه الحقيقة لا المجاز بدليل قوله تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤٤) .
ولا شأن لنا باعتراض هذا الجاهل فلا شبهة له فيه فضلا عن دليل. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>