وهذا معناهُ أَنه يجبُ على كُلّ واحدٍ من الطوائفِ الثلاثِ الإِيمانُ بكلِّ
الرسل، وعلى رأسِهم محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، كما أَنه يجبُ عليه الإِيمانُ بكلّ الكتب، وفي مقدِّمَتها القرآن.
فإِنْ آمَنَ بذلك يجبُ عليه الدخولُ في الإِسلام، وإِنْ لم يدخلْ
في الإِسلام لم يكنْ مؤمناً باللهِ واليومِ الآخر حقّاً!!
فلا تَعارُضَ بين الآيتَيْن.
سادساً: بين الأمر بالصفح والأمر بالغلظة:
يَرى الفادي الجاهلُ أَنَّ قولَه تعالى: (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) ، يَتناقَضُ مع قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣) .
ووجْهُ التناقضِ بينهما عندَه أَنَّ آيةَ سورةِ الحجرِ تأمُرُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بالصفحِ الجميلِ عن الكفار، وآيةَ سورةِ التوبة تأمُرُه بالغلظةِ على الكفارِ والمنافقين وجهادِهم، وهذا إِلغاءٌ لآيةِ الحِجْر.
إِنَّ الأَمْرَ بالصفح لا يَتَنَاقَضُ مع الأَمْرِ بالجهاد، لأَنَّ الصفحَ عن صنفٍ
من الكفار، والجهادَ لصنفٍ آخَرَ من الكفار.
الصفحُ عن كفارٍ مُسالمين، لا يَتآمرونَ على المسلمين، ولا يُحاربونَ
دينَهم، فهؤلاء تَجبُ دعوتُهم للإِسلام، فإِنْ لم يُلَبّوا الدعوة، وأَصرّوا على
كُفْرِهم، وانصرفوا إِلى أَنفسِهم، يَصفحُ عنهم المسلمون ويَتْرُكونَهم.
هذا ما تُقرر آيةُ سورةِ الحجر: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) .
وما تُقرره آيةُ سورةِ الزخرف: (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩) .
ثم إِنَّ الصفحَ عن الكفارِ كان في العهدِ المكي، حيثُ كانَ المؤمنون
مأمورينَ بكَفّ أَيديهم، وعَدَم قتالِ الكفار، لكنْ بعدَ الهجرة أَذِنَ اللهُ لهم
بالقتال، وأَمَرَهم بجهادِهم والغلظةِ عليهم.
فالأَمْرُ بالصفْح موقوتٌ بوقْت، وعندما يَنتهي ذلك الوقتُ، يأْتي الأَمْرُ بالجهاد.