للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندما يُقسمُ اللهُ ببعضِ مخلوقاتِه فإِنه يريدُ أَنْ يَلْفِتَ أَنظارَنا إِليها، لنلاحظَ

عَظَمَتها وفائدتَها لنا، وكونَها آيةً دالةً على وحدانيةِ اللهِ وعظمتِه وقوتِه ورحمتِه وإنعامِه، وعندما نتذكَّرُها نذكُرُ خالقَها العظيمَ ونشكُرُه على تسخيرِها لنا!.

وبهذا نعرفُ الفرقَ بين قَسَمِ اللهِ بهذه المخلوقاتِ وبين قَسَمِ المخلوقين

بها، ونعرفُ سببَ قَسَمِ اللهِ بها!!.

***

[حول الترخيص بالكذب]

زَعَمَ الفادي المفترِي أَنَّ الإِسلامَ يُرَخِّصُ في الكذبِ ويُحَلِّلُه، ويَدْعو

المسلمينَ إِلى أَنْ يَكْذِبوا..

وأَوردَ آيتَيَن، ليسَ فيهما أَدْنى إِشارةٍ إِلى ذلك:

الأوِلى: قوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) .

لَتَحدَّثُ الآيةُ عن عَدَمِ مؤاخذةِ المسلمينَ باللَّغْوِ في أَيْمانِهم، وهي اليمينُ

التي تَخرجُ من أفواهِهِم بدونِ تَعَمُّدٍ وقَصْد، كقولِ أَحَدِهم: لا وَالله، وبَلى

والله.

ثُم تُبَيِّنُ كفارةَ اليمينِ المنعقدة، إِذا حَنَثَ فيها صاحبُها.

ولا تتحدثُ عن الكَذِب!.

الثانية: قولُه تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ) .

لا تَتَحَدَّثُ الآيةُ عن الكَذِب، وإنما تُشيرُ إِلى رخصةِ إِباحةِ النطقِ بكلمةِ

الكفر، لمن كانَ مُكْرَهاً، مع أَنَّ الأَوْلى أَنْ لا يَنطقَ بها، حتى لو أَدّى ذلك

إِلى قَتْلِه.

وقد سَبَقَ أَنْ ناقَشْنا هذه الفكرةَ مع الفادي (١) .


(١) جاء في كتاب شبهات المشككين ما نصه:
١١٨- تحليل إنكار الله
جاء فى سورة النحل: أن الإكراه على الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان؛ يجوز. وهذا لا يصح لأنه ليس من الأمانة أن يزور الإنسان فى عقيدته.
الرد على الشبهة:
إن الضرورات تبيح المحظورات. وهذا موجود بكثرة فى التوراة وفى الإنجيل ومن ذلك: ما جاء فى الإصحاح الثالث عشر من سفر الملوك الأول أن رجلاً من رجال الله جاء إلى مدينة " بيت إيل " وتنبأ عليه. وقال له الملك ادخل إلى بيتى لأعطيك أجرة؛ فأبى بحجة أنه أمر من الله أن يعود مسرعاً. وكان نبى شيخ ساكناً فى بيت إيل. فأتى إليه بنوه وقصّوا عليه قصة رجل الله. فقال لهم: دلونى على الطريق التى رجع منها. فلما لحقه قال له: ارجع معى لتتقوت. فأبى. فقال له النبى الشيخ: " أنا أيضاً نبى مثلك. وقد كلمنى ملاك بكلام الرب قائلاً: ارجع به معك إلى بيتك. فيأكل خبزاً ويشرب ماء. كذب عليه. فرجع معه وأكل خبزاً وشرب ماء [١مل ١٣: ١٧ - ١٩] .
فقد استعمل الحيلة فى إرجاعه و " كذب عليه "
وفى الأناجيل والرسائل أن بولس كان ذا لسانين وذا وجهين.
فإنه لما ردوه للسياط، كذب وقال: إننى رومانى الجنسية وقد ولدت حرًّا [أعمال ٢٢: ٢٨] وقال: أنا رجل يهودى من سبط بنيامين [رومية ١١: ١] . ولما مثل أمام رئيس الكهنة وضربه على فمه قال له بولس: " سيضربك الله أيها الحائط المبيض " ولما شتمه بهذا القول وفى التوراة أنه لا يجوز شتم رئيس الكهنة وَوَجَّه إليه اللوم على مخالفته للتوراة. قال بولس: لم أكن أعرف أيها الأخوة أنه رئيس كهنة؛ لأنه مكتوب: رئيس شعبك لا تقل فيه سوءا [أع ٢٣: ١ - ٥] ، [خروج ٢٢: ٢٨] .
وفى التوراة أن الإكراه على كسر حكم من أحكام الشريعة يسقط العقاب على كسر الحكم. فإن الفتاة العذراء المخطوبة لرجل، إن وجدها فى الحقل وأمسكها الرجل واضطجع معها؛ يموت الرجل الذى اضطجع معها وحده " وأما الفتاة فلا تفعل بها شيئاً. ليس على الفتاة خطية للموت، بل كما يقوم رجل على صاحبه ويقتله قتلاً. هكذا هذا الأمر، إنه فى الحقل وجدها؛ فصرخت الفتاة المخطوبة فلم يكن من يخلصها " [تث ٢٢: ٢٦ - ٢٧] .
وفى الإنجيل ينصح المسيح تلاميذه بالحذر من الناس فيقول: " ها أنا أرسلكم كغنم فى وسط ذئاب. فكونوا حكماء كالحيات، وبسطاء كالحمام. ولكن احذروا من الناس " [متى ١٠: ١٦ - ١٧] . اهـ (شبهات المشككين) .

<<  <  ج: ص:  >  >>