للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرى الفادي أَنَّ زكريا من حَبْرون - الخليل - وأَنَّ مريمَ كانت تُقيمُ في

الناصرة شمالَ فلسطين، والمسافةُ بينَهما بعيدة، فكيفَ يكفَلُها؟!.

وهذا كلامٌ نتوقَّفُ فيه أَيضاً.

الذي نقولُ به هو ما وَرَدَ في القرآن، من أَنَّ اللهَ حفظَ مريمَ - عليها السلام -، وأَنَّ العابِدينَ تَنازَعوا فيها، كلُّهم يريدُ أَنْ يكفَلَها، فاقْتَرَعوا قرعة، على أَنْ يُلقوا أَقلامَهم، وفازَ زكريا بالقُرعة، وبذلك قامَ بكفالتِها، وبقيتْ في كفالتِه حتى كبرت.

قالَ تعالى: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٧) .

وقال تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤) .

وتَدُلُّ مصادرُنا الإِسلاميةُ على وُجودِ صلةِ قرَابةٍ بينَ مريمَ وزكريا، فقد

أَخبرنا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ عيسى ويَحيى - عليهما السلام - أَبناءُ الخالة، وهذا معناهُ أَنَّ أُنَّ يحيى وأُمَّ عيسى أُخْتان، فامرأةُ زكريا - عليه السلام - هي أُختُ مريم الكبرى، وبكفالة

زكريا مريمَ تكونُ مريمُ قد عاشَتْ عند أُخْتِها، لِتَرعاها وتتعهدَها!! (١) .

***

حول انتباذ مريم مكاناً شرقيّاً

أَخبرنا اللهُ في القرآنِ أَنَّ مريمَ انتبذَتْ من أَهلِها مكاناً شرقيّاً.

قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (١٩) .

ورفضَ الفادي هذا الكلامَ، واعترضَ عليه، وقال بتهكُّمٍ وسخرية:


(١) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
وإنما قدر الله كون زكريا كافلها لسعادتها، لتقتبس منه علما جما نافعًا وعملا صالحًا؛ ولأنه كان زَوْجَ خالتها، على ما ذكره ابن إسحاق وابن جرير [وغيرهما] (٧) وقيل: زوج أختها، كما ورد في الصحيح: "فإذا بِيحيى (٨) وعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا الخَالَةِ"، وقد يُطْلق على ما ذكره ابن إسحاق ذلك أيضا تَوسُّعا، فعلى هذا كانت في حضانة خالتها. اهـ (تفسير ابن كثير. ٢ / ٣٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>