للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي أَربعةُ أَشهر، لأَنَّ اللهَ حَرَّمَ فيها القتال، وجعلَها أَشْهُرَ أَمْنٍ وأَمان،

وَسْطَ باقي الشهور، القائمةِ على القتل والسَّلْبِ والنهبِ والعُدوان.

والأَشهرُ الحُرُمُ هي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب.

ويُلاحَظُ أَنَّ الأَشهرَ الثلاثةَ مُتَتابعة، أَمّا الشهرُ الرابعُ رجب فهو مُتَأَخّرٌ عنها.

وكان الكفارُ في الجاهليةِ يَتَعاملونَ مع الأَشهرِ الحُرُمِ بالهوى والمزاجية،

ويَتَلاعَبونَ فيها، فإِنْ دَخَلَ عليهم شَهْرٌ من الأَشهرِ الحُرُم، وَوَجَدوا لهم مصلحةً في انتهاكِ حرمتِهِ وقتال الآخَرين فيه، " نَسَؤُوه ": أَيْ: نَقَلوا حرمَتَهُ إِلى شهرٍ آخَرَ بعْدَه، واسْتَباحوا القتال فِيهِ.

شَهْرُ " مُحَرَّم " مَثَلاً من الأَشهرِ الحُرُم، فإِنْ دَخَلَ عليهم شهرُ مُحَرَّم حَرُمَ

عليهم قِتال الآخرين فيه، فإِن وَجَدوا لهم مصلحةً في القتال فيه قالوا: نَنْقُلُ

حرمَتَهُ إِلى شهرِ " صفر " بعدَه، ونُقاتلُ أَعداءَنا فيه، فهو " نَسيءٌ "، بهذا

الاعتبار!!.

الذين وهذا تلاعُبٌ منهم بأَحكامِ الله، يقودُ إِلى زيادةٍ في كُفرِهم وجرائِمهم

وضلالِهم، فهو ليس مجردَ كُفْر، وإِنما هو زيادةٌ في الكفر! وعلى هذا قولُه

تعالى: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٣٧) .

وقد فَسَّرت الآيةُ معنى النَّسيء، وذلك في جملةِ (يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا) أَيْ أَنهم كانوا يُحِلُّونَ القتال في أَحَدِ الأَشهرِ الحُرُمِ عاماً، ويُحَرِّمونَ

القتال في نفسِ ذلك الشهرِ الحرامِ عاماً اَخر!.

ومعنى قوله: (لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) : أَنهم كانوا يقولون: نحنُ

نلتزمُ بعدَدِ الأَشهرِ التي حَرَّمَها الله، فالمهمُّ أَنْ نُحَرّمَ في السنةِ أَربعةَ أَشهر،

ولا يُهِمُّ عندنا أَسماؤُها أَيَّ أَشهرٍ تَكون.

كانوا يُريدونَ أَنْ " يُواطِئوا " ويُوافِقوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، أَربعةُ أَشهرٍ بأربعةِ أَشهر، ومع هذه المواطأةِ والموافقةِ كانوا

<<  <  ج: ص:  >  >>