للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٥) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩) .

وذهبَ الفادي إِلى تفسيرِ البيضاويِّ ليتعَرَّفَ منه على هويةِ هذا الشاهد،

وأَخَذَ عن البيضاويِّ قولَه: " قيل: هو ابنُ عَمٍّ لها، كان صبيّاً في المهد ".

واتَّهَمَ الفادي القرآنَ بالخَطأ، لأَنَّ البيضاويَّ ذَكَرَ ذلك! وكيفَ يتحملُ

القرآنُ مسؤولية كلامٍ لم يَقُلْه؟ ! ولذلك عَلَّقَ على ذلك بقوله: " ونحنُ نسأل: من أَينَ جاءَ هذا الشاهد؟

هل كانَ في البيت؟ ومعَ مَنْ كان؟

والبيتُ لم يكنْ به أَحَد؟..".

ويمكنُ أَنْ يصحَّ اعتراضُ الفادي لو قُلْنا: كان الشاهدُ طِفلاً صغِيراً في

المهد! مع أَنَّ هذا الكلامَ الذي رواهُ البيضاويُّ لم يصِحّ، ولا نقولُ به، إِذ

كيفَ يشهدُ هذه الشهادةَ الواعيةَ طفلٌ صغيرٌ في المهد؟

وأَينَ كانَ هذا الطفل؟

هل كانَ داخلَ البيتِ وشاهَدَ مراودةَ المرأةِ ليوسف؟.

الراجحُ أَنَّ هذا الشاهدَ كانَ رجلاً واعياً حصيفاً حكيماً، ولا نَعرفُ شيئاً

عن هوية هذا الشاهد، إِلّا أَنَّه من أَهْلِ امرأةِ العزيز.

ولا يَلْزَمُ أَنه شاهدَ مراودةَ المرأةِ ليوسفَ، كما أَنه لا يلزمُ أَنه كانَ معَ العزيزِ عندما رآهُمَا لدى الباب ...

فمن المعقولِ - بعدَما اتَّهمت المرأةُ يوسفَ، ودافعَ يوسفُ عنِ

نفْسِهِ - أَنْ يَطلبَ العزيزُ حَكَماً ليحققَ في الأَمْرِ ويُصْدِرَ حُكْمَه، وأَنْ يُختارَ هذا الحَكَمُ الشاهد القاضي من أَهْلِها ليكونَ أَبعد عن التهمة.

وتدلّ شهادةُ الشاهدِ على رجاحَةِ عقْلهِ واتزانِه، حيثُ دَعا إِلى النظرِ إِلى

القميصِ الذي يَرتديه يوسف، فإِنْ قُدَّ من الأَمام كانت المرأةُ صادقةً في

دَعْواها، وكان هو كاذباً، لأَنَّه يكونُ قد هَجَمَ عليها، وهي تَردُّهُ وتُدافعُ عن نفسها، فتَقُدُّ قَميصَه من قُبُك، وإِنْ قُدَّ قَميصه من دُبُرٍ كانَ يوسفُ صادقاً وهي

<<  <  ج: ص:  >  >>